الأحد، 13 نوفمبر 2011

تحيات الحجر الكريم

تحيات الحجر الكريم
حلمي سالم





بهلول سقط المتاع
أراه تحت مجهرٍ,
والفصول تعطي لبعضها الرايات,
كان هو الذي أشاع في وكالة الغوث:
"حبيبتي تنام في الصقيع
وتلعق الفتات من موائد القمار والصخب
وفي المساء
تغسل الثياب والنهود في البحيرة العقيم,
كان عنوان الخطى , "الحب في الملاجئ القديمة".
حينذاك: كف الخديويون عن رمي الرصاص,
وعادت إلى الهناجر الطائرات,
داخت سمسمية الغزالي في منازل الأربعين,
وأزهرت مواخير: "خطوة خطوة",
(راجع عبد المنعم رياض ومحمد حمام),
فأنهى الفتى كلامه عن الملاجئ القديمة:
تخاف في الظلام عودة النهار
"تخاف في النهار عودة الظلام
ضريرة تنام في الصقيع"
والفصول تعطي لبعضها الرايات.

مقرفص وراء معمل الإحصاء بعد سقيا,
يقص: أحدوثة الجسدين المتماسين,
يبدأ الإثبات بالنفي:
"لا الأشجار أشجار ولا الماء ماء
هذه تجليات الدماء",
كان طبيب النساء مستريبا في حياتي,
لكنه أوصى بالمضاد وفيتامين باء, ومال في أذني:
تحت المخدر غمغمت: من البحر إلى النهر,
هذه تجليات الدماء: الأخضر الذي يمجد الفخذين,
بعد سقيا وراء مائه يستهيم:
"قال للبحر بحر:
يابحر عندي مرأة ثقيلة
كالسفينة التي تحملت بالقناطير من مر وكمون
يابحر عندي مرأة
تنضو ثيابها إذا ما علا موجي الحنون"
هو مولع بالقافية التي تقبض الإنس,
وهائم بأن تدور في قطرها البلاغات,
فلاحظ المشخصون أن ماءه كثير,
و أن رمزه الغلاب : إيروس,
كرر الذي باشره خلف ملحق الآداب:
            "عندي مرأة ممدودة على قبتي الداكنة
              يا بحر: إنها ساخنة"
وعاود الحنين للبدايات
في ختام البئر جاء اعترافه الذي سيبقى في خطاه
منذ أول القوس حتى تكسرت النصال:
"أردت أن أنمق الكلام عن عيوها أبت
لأنها ترى فؤادي الكذوب خلف رونق القناع"
هل كان عبد الصبور نائما في الحبر؟
(راجع: كان صاحبي مثقفا لا ذرب اللسان
وعاطفا لا عاطفيا).
أغنية الفتى في الإعتام وحيدا:
الشجرة التي طوفت على الدور طوفت على البدن
الشجرة التي تقمصت خضرة الشجن.

هكذا دخلت الشجرة النصوص كلها,
منذ كشفت بنت الريماوي له طية وراء طية,
فلا تعجب إذا شهدته بعد عشرين فسحة
يخط في "تختة السادسة":
"في كامل عدته ذرته الريح إلى صدقات"
هي التي لقنته مسرَّة البوَابات,
ومكنته من شرقها خلف جابر بن حيان,
لهذا رأى ما رأى:
       هذه الأعضاء التي فرقت فضائي,
ورمى عند المطافئ السؤال:
من ترى يفك أعضائي
ويرمي على كل قبة في الأرض عضوا؟
(شرح جابر بن حيان:
عطفة بها بيت محبوبي,
وبها بيت المباحث).
لعله خارج من أسي في سبيل التاج,
فأنا أراه تحت مجهر,
وأرى الفصول تعطي لبعضها الرايات,
لعل خايلته أحلام مهجريين فاستفتح الشرخ بالشرخ:
"أخاف سمك الخفي يا عشيقي القديم
بليلة ثيابها وراء حائط بعيد
أتخجلين من صديقك الوحيد؟"
لعلك انتبهت للبل والبليل ومبلولة؟
فرط ماء في فرط صحراء.
لعله إذ أرته بنت عبد الله خسها خلف الشواديف صاح:
"المرأة الكتلة/المرأة المسافة
هذه غيبوبة الكثافة"
لعله إذ تشاكل عليه النص والأوراك كان مأسورا
                                            بفهد الأوائل,
ولعلها التي باعت قرطها بالبخس,
               لكي يخرج الفتى رغاه بين دفتين:
(راجع: حبيبتي مزروعة.
القاهرة.
رسوم: محمد بغدادي.
دار سامي بلاظوغلي).
لعل من تراب هذه المطارحات جاءت:
               أغنية المرأة في الإعتام وحيدة:
               أنا التي أكملت ناري على ناري,
           خذوا على الفروع سرتي على الفروع
            خذوا حشاي بين الجمر والرماد.
مغزاك كاد يستبين:
فرط ماء في فرط صحراء,
فلعلك انتبهت لاقتران الحب بالقلم السياسي,
         واقتران الشعر بالمخابرات.
زارتني اللحظة التي أشجاه فيها رسمه,
مشت عليه مباخر الشبات,
خضته فاسوخة الأنثى خض قادرة,
إثر تلاطف الحاجات بالحاجات,
فاستوى الرمل في زراعة الحياض,
زارتني اللحظة التي انجلى بها طلسم أطرافه,
فحيا فقير نفسه:
"جسدي على الشبابيك والبلاد
جسدي مقابل للبلاد,
عشرون حولا ستكر
قبل أن تمشي على رحبة الحوض,
أما منازل الأربعين فهي بلاد التي ما لها بلد.
أسموه السبعيني و لا يزال يحمل اسمه,
سيقول له جمع سهم: وارني عن اسمي,
(اصطياد من النفري الذي سيغدو بديلي)
لكنه ظل مكبلا بالوصف,  
فاختار من منتهى المتماسين هذه التقطاعات:
                  كان في الثلث الأخير من كل عتمة يجئ/
                 يضيع في تنفسي وفي صريري/
                يكلم الأعضاء كلاما/
                ينحني وينفرد/
               يلصق الجسم في جذع نخلة/
               ثم ينتفي في الهزيع/
                وكنت حينها أمتلي فحيحا.
) دلالة الفيح:
فيه من وصل ورقيةٍ,
فيه من تلاطم الفاءات بالحاءات,
وفيه من ثعابين جحر)
لا يزال يحمل اسمه,
وعلى صفحة المخ: كارو وربطة البرسيم,
وأبي يغازلها خلف المنحل البلدي
تدخل الأخت بالشاي غبَّ انفكاك أزرار القميص,
فيداري افتضاحه بالحديث عن سماد الأرز,
وينتقي من جرابه هذه التوافقات:
                كبقرة لوابة كانت تجئ/
               تصف فوق أغصاني لعابها/
               تخطو خطاها الحلوب/
               وهي من قارورة نحاسية تشرب/
              ثم تبخ في الأشياء ما تشرب/
               وتنتفي في الهزيع/
              فكنت حينها أمتلي فحيحا.
(دلالة الفحيح:
ينطوي على اللدغ,
ويعني الاحتضار والاحتضان,
ويشير – من ضمن – إلى نظام الري),
هكذا لازمته البقرة:
فمرة هي قراريط الجد:
همزة الوصل بين البذور والفأس, ومرة هي الشهوة
الخام إذا ترامت على الأسرة المساحات,
ومرة هي التي كان مستهلها:
"ألف لام ميم, ذلك الكتاب لا ريب".
(عشرون حولا ستكر
قبل أن تسترني بقرة في شرفة الأوديون):
شرفة الأوديون: مكان يعول عليه لأنه مؤنث,
                            (إرجع إلى بديلي).
تناولنا حلبة في صالة المحفل النسائي
وفوقنا الفصول تعطي لبعضها الرايات.
علقنا على ابيضاض السالفين,
ودسست بين أوراقها: دهاليزي والصيف,
(بكائيتي على رحيلها بعد رفع اللجوء,
بدايتها: للفحيح الغامض في قلبي
ونهايتها: أختفي في: لكم.
راجع: دهايزي. الريس- 1990)
زدنا حلبة وأوضحت:
خرجت من يدي بعد هبة الجائعين,
كأنني أردت اقتران النص بالسمن والغاز,
-عيناك مازالتا جميلتين.
-هل عذبوك في العبد لي؟
-أنت التي استطبت الوداع
-أزهرت مواخير: خطوة خطوة.
لم أسأل: أتذكرين رقصة: يا دلع دلع؟
لم تسأل: أما زال جرحك تحت ترمس الصدر؟
لذا رأيته تحت مجهر يكتب:
"الفتي: شعر صدره حديقة,
الفتاة: نهداها قاربان"
ما كل هذه النهود في الصفحات يا بن زاهية؟
(معاني المفردات:
الصيف ذو الوطء: جنون أوله ثقب إبرة,
             و أخره: زلت.
رفع اللجوء: هارب من
الهاشميين في مصر
أعتقه الهاشميون.
هبة الجائعين: رجة الروح
العبدلي: مربع التوقيف في بلاد العرب).
هل كان مستطاعا:
            أن يلتقي الهاشمي والهاشمي؟
            أو أن يلتقي الشرع والشعر؟


ربما أسكره بوح الغنائيين بعد ذهاب البناة,
كان بوحه معلنا في الصحيفة التي سكها الضباط:
"أعود وزورقي تعب, طريد ماله شطآن
وأغنيتي بقايا نغمة دارت على الشباك والجدران
على العتبات وانجرحت مقاطعها
              فماتت في دجى الدرب
حصانا ما له فارس
وكنت ظننت أني سيد الفرسان".
ربما سبق المحرر الإنشاد قائلا: رومانس,
الكاتب. نوفمبر 1974,
وفسر كثرة الشبابيك والنوافذ والشرفات, كما يلي:
حلم مغلولين بالبراح,
وقاموس حربيين.
ربما هذا هو الشهر الذي أقررت فيه:
أصبّن جسدي,
فتهكم أهل الحديد والبويات من حسية الفلاح,
(نواب جائعين لا جائعون),
ربما نزول النفس صوب النفس كان حرمة:
يا جميل انظر إليّ.
مساءُ:
اهتدى إلى خدن ترك الهندسات للفلسفة,
حدثه عن الهوى المحجوب والطبقات,
وأطلعه على مشكاته:
"الفلاحين بيغيروا الكتان بالكاكي
ويغيروا الكاكي بتوب الدم"
عشرون عاشوراء سوف تمحّي قبل أن أستميح سيدة:
ذهب الكتان والكاكي
و أنا أريد عينيك على أهبة البكاء.
كنت أطلب الغفران من سحابة
صرتها ثم خنتها (ويحه جروبي).
وسكبت لؤلؤها الذي صرته لي عند أقدام رقطاء,
(راجع: طائر الرذاذ
حيث نينوتي والكلية الحربية,
وحيث: كيف حال سيدي؟
ثم راجع: جسد الفراشة
حتى ترى:
حساس كالأشعة فوق البنفسجية,
ودافق كالأورطى,
كيف يلمس الريفيون كهرباء نازفة).
هكذا: دنيا الله ضيقة,
ربما أطاح المبدئي بوشم إذا فككته جاء:
"لا تعبري النهر ياطفلتي ياغزالة
رعبي وحلمي المكثف",
ثم طالبني بالتعاونيات: نحن سقينا الفولاذ,
فأدركت أن دنيا الله مخروم’,
واستعدت التجائي لريما:
ترى فؤادي الكذوب خلف رونق القناع.
شرح الرموز للقرّاء:
ذهاب البناة:28 سبتمبر 1970, ربما.
الخدن: وش مصر, ربما.
جروبي: مكان ودمع فاطمة, ربما.
المبدئي: شارطو الجمال بالنفع, ربما.
الوشم: راجع "النهر يلبس الأقنعة".
ويختم الإثبات بالنفي,
حتى يصير قص الحياة ولصقها
                                        نورا.
حينذاك:
أقعد الشريان أباه عن تجارة الموالح,
وبكت أمه مصرع العجل الذي تبقى في الحظيرة,
(كانت تعج بالجواميس والماعز,
الشراشر, المذاود, البراذع, الروث, الغماء)
حينذاك:
كان ناس عند 101 يتقايضون,
وولاة يسحبون الروح من فقط,
وحينذاك:
كان الأمن في الحسين يصطاد الخناجر بملقاط.
طاف السؤال فوق الرأس:
كيف تصبح الكتابة الكَعثَبَ؟
حينذاك:
كان مغرما بمزج الرئم في الكرباج:
"ساخنة رئتاي وعاشقتي ساخنة,
والمهرة في يافا مترهلة الساقين,
ومقصلتي مقبلة. وعن اللعنة والطوفان
تكشفت الليلة. والليلة يتعرى فخذا
سيناء لتجار قدموا من كل أقاليم
النهش الشبقي".
من أين استجلب المهر والحصان والخيول؟
قلب "البيان" قبل الصلح واقترح:
كيف جرجرته غريزة الخبب؟
يخطفها السواد مني,
وفراج أعطى دماءه برهانا على المودة,
وجيه وشخصي وذو مزولة لا تخيب,
أخمن أن شعره المفروق تهدل قبل انخلاع السر,
أخمن أن صاحباته المعلقات من ياقاته,
تهادين في ضميره قبل أن يحشرج: بلادي.
يخطفها السواد مني
أنا الذي عيون بنت عبد الله في المقعد الأمامي
                                           قد فرت بطني,
وقتها أتى كلام:
" لم يكن بيني وبيني سواي"
وحينما انكسرت المسافة التي تفصلني عني,
أيقنت أنني القتيل,
قلت للفتاة التي على الماء:
"وداعا يا فتاة على الماء".
السواد مني,
لأنني فررت من بصارة العائلة


بهلول 1975 أشقى بصيرته ووزع المنات,
قلت في البهو:
هل تجاوزت أمك الإنعاش؟
وكنت أعني ما أذاعه البهلول قبل عشرين:
"جسدك مثبوح في يافا, مثقوب
برصاص أطلق من فوهة بالقاهرة,
وجسدي مشبوح في الدلتا, مثقوب
من نفس الطلقة".
صنعت رجولة في طفولة:
تراءيت مقبلا من جبران بالليل,
وفي الضحى من عبد العزيز فهمي,
وتراءت مقبلة من القسام في الآصال
                                       والغدو.
أتاحت رباطها للتلاميذ فانتشى البهلول,
أشَّر عبد الرحمن على البحر الميت,
حين أضافه العشاق للشفة العليا,فرمقته يخط في حافة المتون:
            "الصهد يجري في عروقي ويصبح
              المخاض موسمي, والصهد يلفحني
             ويخرق الرئتين, يغرقني ويثمر
             الأطفال من ضلوعي"
ليس هذا الصوت صوتي,
كيف وافق البهلول على هذا المضغ؟
وهي التي صنعت رجولة من طفولة.
رسم توضيحي لما فات:
البهو: بهو الرب.
جسدك مشبوح: عد إلى "مقدمة للغضب"
جبران: القائل: لكم لغتكم ولي لغتي.
عبد العزيز فهمي: صاحب المترو, وصاحب المنفى,
وإعداديتي.
القسام: 1936
عبد الرحمن: ابن عوف, أو ابن عمي, وربما فاحص المأثور والقناع, أو سليل بسيسو.
الصهد يجري: انظر "أنا أكتب الذكورة" التي بدؤها
"هذه الأمواج شارتي"
وختمها "إنني أكتب الآن تاريخا جديدا لشعبي".
البهلول: غامض ومغلق الدلالة.


-         لماذا يذهب المحبون؟
-         لأن السلام صعب.
الفصول تعطي لبعضها الرايات.
رأى القاعة في اكتمالها بالجند,
أمها في أول الصفوف تصغي إلي:
                 دثريني دثريني,
(المصدر: الأبيض المتوسط.
كتاب إضاءة 3.
رسوم عمر جهان.
القاهرة 1984)
وهي في ركنها تشد القوس بين لسانها ولساني.
سادة مرتبون يعلكون الأخوة ويعبرون الشدائد,
-         لماذا يذهب المحبون؟
-         لأن السلام صعب.
فلما جاءني المخاض قال لي قنديل:
              لا تمكث في الأرض,
وحينما لم أمكث انفلقت على ركنها:
تشد القوس بين لسانها ولساني:
فجاء مكبر الأحياء:
           "ينحت الأخضر من كتلة سديمية
            فوقعة تختبي بها المدينة المحاصرة
            الأخضر استحال جوهرة
            يبدأ الحقل انتشاره بين مقلتي,
                                 تبدأ المصاهرة",
هل تذكرت الأخضر الذي مجد الفخذين؟
قنديل: عليّ.
ينحت الأخضر: عِزّ.
(للمزيد من "تحولات الظل والضوء" عد إلى: "النصر":
"الجميل للجميلة
والمقلة الكحيلة
لصاحب العباءة الأصيلة
الشعر في الصدر غابة الوسامة
الثغر خاتم وفوق الخدِّ شامة
الفارس الجرئ لليمامة"
-لأن السلامَ صعب
-لماذا يذهب المحبون؟
                          *           *             *           *
                                                                           (1993)

سجادة لصلاة اثنين
جاء الجنيُّ وراح
أخذ الدفة
والمجدافَ
ومنضدة الأقداح
ترك العاشقَ
مختنقًا
بالمصباح.

تنام متخفضَة من شدّادة الصدر
وفي النوم, تلتقي حلمها الوحيد:
السّفَر
حيث الفوائد السبعُ.
وعندما تصحو في مواجهة السقف
تلوذ بخفها المغربي
وغوايش طاغور التي من خشب الجوز
وتمشي في الحياة.

كانت كفه مدهونة
بخليط من دم الشهر والريق والعرق.
مسح كفه في وجهها
مسح كفه في قبتيها المشقوقتين
بنظرية المركز.
وتأمل الكشط فوق المائدة.

ثمة عامود من نار
ثمة بعض الأسرى
بعض الأحرار
نايات غرقى,
وكمنجات,
أسئلة تضرب في فزع الروح,
إجابات,
شوق يتخفى وظهورات,
نفس تنسال يؤرجحها كالبندول هلاك
ونجاة,
مهج تتفتح ومحبات,
جرحى مسرورون وأسرار
ثمة رجل وامرأة
وفنار.

مكانك لن يكون في دهاليزي
مكانك سيكون في الموضع الذي
تشغله السيدة التي حفظت اسمها
من غير أن تعرفيني
أو تعرفيها
مع أن وجهها لا يشبه
وجوه الفيوم,
وجلطتها أعمق من جلطة الساق.

كانت كفه مدهونة
وحينما لعقا معا خليط العسل
ودم الشهر والريق والعرق
تساءلا: هل هذا هو الإكسير
أم هو المهلُ؟
المصادر:
نخلة الحقل
لسان الكافرين
هيستريا العضلات
شهقة المصلي
بركة الشهر
أما الخليط فهو من أمر ربي حيث يلتقي الصوفيون بالمصرع
وحيث تحير المعتزلة:
الحوض حادث أم قديم؟
ساعتها أجاب واحد:
أنا قاذف الحجارة
وأجابت واحدة:
أنا الملعوقة.

تعلو وأنت صامت, لأن صمتك أعذب من
كلام لسانك الزلق, حينما تصمت أرى نفرة
العروق في يديك, وأشعر أن دمك يغلي
بالرغبة, فإذا تكلمت حدثتني عن دراما
الرواية وتطور الشعر, ثم حينما تصمت
أشعر أنك مرتبك وحزين وأنك حائر
في إخفاء رعشة المشتهي, فإذا تكلمت حدثتني
عن نيتشه واليوجا والصبر الجميل.
من فضلك
في كل لقاء
كن صموتا.

ترنحت ألاف الأجساد في الصحراء
وارتفعت من المغارات أقنعة مشوهة,
بينما المغنون يقدمون أعناقهم للوحش,
والوحش يقود الجوقة بأنياب سوداء
والجوقة تتطوح كحشد مسطولين:
ثمة عامود من نار
جسد في الأسر جواب
جسد في الأسر قرار
أفخاذ تتناثر تحت سماء تصعد
أفخاذ تتآخى تحت سماء تنهار
سر يجري منفردا
تتبعه أسراب الأسرار
اخترت مصائر أعضائي:
عضو مقهور في الحلك
وعضو في العتمة قهار
الساتر مهتوك في مكمنه
والهاتك ستار.

في المراجيح سيكون الخير:
سيصحو الطفل فيك ويصحو الطفل فيّ
وسوف أظل ضاما ذراعي على كتفك الأيمن
حتى لا تسقطي من حالق فأمثل أمام نيابة الأهرام.
ستخايلنا الطفلة بالمريلة الرمادية وجرس
الفسحة ومعاكسة الصبيان, سيخايلنا
الطفل بالجلباب وتسميع جزء "تبارك".
ربما يطيِّر الهواءُ الجونلةَ فألمح ركبتيك اللتين
لم أرحمهما, مع أنني استنكرت الإساءات التي
لحقت بهما من الغلاظ.
ستقولين: لم أضحك بهذا العمق منذ
افترقت عن جدتي, وسوف يلطم
شعرك المحلول وجهي فتبعدينه
خجلانة. ساعتها سأستعيد قولك
أنك لم تحلي ضفائرك لأحد قبلي.
أما الخير الأكبر الذي أتعشمه فهو أن
تزل قدماك عند النزول عن حصان الخشب,
فأتلقاك بذراعيّ وأحملك إلى غرفة
الإسعافات الأولية, مستعدا للسين
والجيم في مكتب الأمن.

عندما سقط الرجال من فالج المحبة
وسقطت النساء من فالج الصفح
كان الثور قد لغ في الدماء
فحاول شخص مأكول عنقه
أن يشرح للمشاهدين ما كان,
وقف على تلة من موز مهروس
رافعا ذراعه التي تخلو من الكف
وهمهم:
يدي التي أوغلت في برزخٍ
يدي التي توغلت في تيه
قابلت مشيمة
وأطنان جمر طري وأحجارا كريمة
يدي التي غاصت في عجينة
كأن فرنا بخبزه
كأن كيرا بنفخه,
كأن جرما ينام في جريمة
يدي التي رأت ما لم تر العيون
جاست في طينة حميمة
وداست على نطفة تسير خلف نطفة
يدي المجنونة الحكيمة
ليتني تركتها هناك في ليلها البهيم
ليتني ما سللتها من ظلمة البهيمة
يدي التي أوغلت  في برزخ القلاع والحصون
وكل إصبع في يدي
نما عليه مبيض أبيض,
وأورقت في ظفره غصون
يدي التي لم
تعد يدي.

لا أميل للعطور
لكنني قبلت أن ترشي بعض عطرك
في كفيّ
لكي أحتفظ بك في يدي
كلما سندت رأسي بها في الليل
حيث الفكر يذهبُ
حيث الفكرُ يجئ.

أسرفتُ في الحديث عن الطريقة البيُّوميَّة
وفرقة الإنشاد وتشنجات حلقة الذكر
وتقبيل يد القطب, لكي أسرّب إليكِ
رسالةً مؤّداها: لي بين الضلوع دم ولحم,
وكي أخلص إلى أن بيومي شقيقي
كان من شرفة في رفح
يرى الجرافات والرصاص الحيَّ
وتفتيش النساء ذاتيًّا
فيتف, تفلة ثقيلة
على مشايخ الطُّرق.

عندما انتهى من رثائه
تحرك القولون في بطن كل سيدةٍ
كل قولون اصطفى نخلة يلتف حول جذعها
ويستدير في لحائها
ثم طار النخل فوق هام السائرين في الحقول
كل نخلة تخيرت نبعا لكي تذوب فيه
أو تحط تمرها على حوافيه
حول كل نبع كان رهط مبتورين ينشدون:
ثمة عامود من نار
إثم يغفر تاريخ الأخطاء
وخطأ يرفع عن زنديّ الأوزار
اخترت التعويذة:
النور على نور
والظلمة محض نهار
شربت ماء العين مع الغسق
وشربت ماء الظهر مع الأسحار
ثمة عامود من نار
فيه من الليل صباياهُ
وفيه من الموتِ الأشعار
النور على نور
والنار على نار

الرجل الذي لم يعرفني
لمجرد ورم خبيثٍ أصابه في المخ
لماذا تذكرته
و أنت تفرجينني على صينية النحاس
المنقوشة برسوم الهند؟
ثم و أنت تشتمين ورشة الزيتو
ولماذا سوف يهبط عليَّ,
قبل أن أقرأ "خريفَ" ناجي؟
تم إخلاءُ المصابينَ والموتى:
الجرحى في وادٍٍ
والمحتضرون في وادٍ
والقتلى في وادٍ
وعلى بابِ المستوصف
راح الأطباء يوزعون تقريرا عن مستقبل
الأصحاء, يقول:
كافك تسعة عشر كافا:
كوئك, كوّة الوردة, كعبُكِ, كَمَانُ
ظهرك, كتفك المدحوُّ, كاحلك
الأيمن, كتفك المعضوض, كاحلك
الأيسر, كأس السرة, كثافة الدغل,
كدمة البطن, كوعك الآخر, كفل المودةِ,
كفل الشرور, كعبك الثاني اللئيمُ, كاعب
الثدي, كُحلُكِ المتّهمُ, كيمياء ما تحت
الإبط.

ولذلك: جاء الجني وراح
و الأيدي المقطوعة باتت تتأرج
خلف الروحة وحول المصباح
حتى احترق الليل
وهمدت في مرقدها الأشباح
لكن دم الشهر الفوّاح
ظل يكرر مأساةَ اليد.

طارت السجادة في الفراغ
وظل الشخصان يبحثان في الحَصَى
عن لقمةٍ تسدُّ الرّمَق
وعن كف
ملصوقةٍ
بساعدها
لصقا
يعيش ثلاثة أيامٍ
بلياليها.
                                               1999

تحيات الحجر الكريم
حلم
ليت الفتي حجر
حتى ينام المرهقون,
وينضج التفاح في ذيل الصبايا,
يستعيد الحبُّ لوعته,
يؤوبَ الهاجرون إلى الربابة بعدما هجروا
ليت الفتى حجر
لارتاح منهوكون من هتك الضنا,
وانفكّ مغلولون من وحش السلاطين
الذين تألهوا,
وتفتَّتَ الضجر
ليت الفتى حجر
حتى يصير الخلق في الدنيا سواسيةٌ:
فلا بيض ولا سود,
ولا عبد ولا سادات,
و لا مدن و لا غجر
ليت الفتى حجر
يهوي على رأس الزناة
الآكلين السحت بالتقوى
وقد فجروا
الساكتين على مذلة طائعيهم,
مغمضين العين عن شفط الدماغ من الشهيد,
وحين توزيع الغنائم في الدجى: اشتجروا
ليت الفتى حجر
نام المحب على بقايا بيته,
واستيقظ الشجر
ليت الفتى حجر
تسرى تحيات الصغار خلال قرميد استدارته
تذيع:
هنا الصغار مخازن الكبريت من كمد,
فلما مسهم مس الهوى: انفجروا
ليت الفتى حجر.

الجامعة الأمريكية
كانوا يفترشون السلم والبهو,
يغنون على اسم فلسطين أناشيد الحب,
يضمون محمد ليسوع
حين تداهمهم حلكات الليل,
يضيئون القلب الصافي,
وينيرون الصدر الموجوع
في يدهم صورة طفل سجَّته رصاصاتُ
الغل على فخذ أبيه المصدوع
"القدس لنا" تصعد من بطن المذياع
مدببة
تخرق صمت الشرع وفقه الشارع والمشروع
وعلى الأسوار وفي شباك الفصل وفوق
رفوف المكتبة شموع
فتيان منحرفو اللكنة,
مزهوُّون بعطر الجامعة الأمريكية,
رسل العولمة بباب اللوق نهارًا,
متباهون بثروات الأهل,
ومختالون بقاع الذات وليس الموضوع
لكن أياديهم كادت تخلع أحجار القاعة
وحديد البوابات وجذع النخلة
منضمين وملتئمين كأن الواحد في
المجموع
فتيات منتشيات بالأكتاف العارية,
و بالأثداء المتحررة المتحركة,
و بالأرداف الناهضة أو الرابضة,
ومتشحات بعلو الطبقات العليا,
ممتلئات بالرغد المطبوع وبالخجل المصنوع
لكن هدير حناجرهن وهن يرددن:
"الغضب الساطع آتٍ"
كان يكحل أعينهن بصدق الروح المشطورة,
ويلف الأشجار بلمع ملائكة مطعونين,
فخلف الصف سطوع و أمام الصف سطوع
فإذا الميدان الواسع يرتج,
وحيطان المتحف تنشج,
وطيب المقهورين يضوع
حين شممت تذكرت زمان السقيا,
يوم اشتعل الطلاب وصرخوا في البردِ:
"الحرب هي الدفء,
ليسقط إيهام الخادع,
يسقط وهم المخدوع"
كان الضباط يحيطون المسرح مدَّرعين:
الأسلحة مجهزة بزناد يتأهب,
لكن الأفئدة موّزعة بين القامع والمقموع
فغسيل الأدمغة المحتلة مسموح,
لكن غرام الأرض المحتلة ممنوع.
أحرقت الأيدي الغضة علم التلموديين,
فنَبَتت معرفة طازجة:
ثمة ناس في الصبحية تقتل,
ثمة ناس في الظهر تكبل,
ثمة ناس في الليل تجوع
أحرقت الأيدي الغضة علم الشرطي الكوني
(وكان يرفرف في سارية المسرح,
ويرفرف في قمصان المحترقين برعب الطفل
المصروع)
فاندلع الكشف: الراعي صنو الذئب,
وحارس حقل التين هو اللص,
وفوق الراية جثمان مرفوع
لما صار العلمان رمادا,
لم يعد الفتيان هم الفتيان الغندورين,
و لم تعد الفتيات الفتيات الغندورات,
اختلط القطر على القطر لتتخذ القطرات
اسم الينبوع
انصهروا في موقعة الدمع,
فوحدهم قهر التابع,
وحدهم قهر المتبوع
لتظل على سبورات الدرس فلسطين,
وخلف البوابة بعض شموع.

لغة تجب الضاد
حجر على حجر, وكل يلادنا حجر, يطير ليرسم الأفق البعيد بهيئة الحجر, التراب يصير أحجارا, وطوب منازل الناس المهانة يصبح السر المخبأ في الأصابع. مهنة المقلاع بدع خيالنا المحموم نمنحها إلى دول الصناعة علها تهدي براءتَها إلى المتحضرين, وكل أيام الصبا حجر يطير ويصطفي مرماه مضبوطا بخبرات المطارد والمعذب والسجين.
وراء كل حطام بيت   مخزن من أغنيات يبعث النبلة ارتعاشها فيرتجف المدجج بالذخيرة والأساطير الصغيرة,هذه الأحجار شعر المعوزين, فكيف قيل: فؤاد إبن الأم من حجر وقلب الأم منفطر, وكل حجارة عطف ومرحمة وتبيض لوجه سودته هزائم الميدان؟ كل بلادنا حجر, فكيف تهان أزمنة سحيقات لأن عصورها حجرية, وهنا الحجارة مبتدا الدنيا و آخرها, علامة التطوير في فن المحبة, إذ ترفرف في يد تطوي المسافة بين أحقاب برمية صائدين, الله أعطاهم سواعده الفتيّةَ ثم أبلغهم بأن الله يرمي إذ رموا, حجرا على حجر, وكل بلادنا حجر كريم: ذا عقيق من بيوت اللد خذ, هذا الزبرجد من جبال جليلنا الأعلى فخذ, هذي زمرة من الأسوار في عكا فخذ, ياقوتة من حصن حطين القديم ستستقر بأنفك المعقوف خذ, مرجانة من سد حيفا فاستلم في عينك اليسرى التي أطبقتها لتصوب الرشاش في رئة الصبي بدقةٍ خذ, هذه فيروزة من بيت لحم ضمخت بنزيف مريم حين فاجأها المخاض النفخ خذ, حجرا على حجر, وكل بلادنا حجر إلى حجر يقوم, يشد بعض منه بعضا, والمدى حجر, تنبأ شاعر في الحلم أن حجارة ستصير معيار المودة أو دليل الحائرين, وشاف أن ملاحة الحجر الوسيم ستحرق العرش الذي هبط الملوك عليه من أول إلى بدءٍ, وكل بلادنا حجر بليغ قال: أسقطت الفصاحة والمجاز, فضحت بابل والعروبة والحجازَ, أقمت للموتى الجناز, حجارة الدنيا هنا لغةٌ تجبُّ الضادَ, بالحجر الكريم.

بطاقة
اسمي أنا الدرة
أهفو إلى الحضن الرءوم إذا أتاني فاتحا صدره
زملاءُ مدرستي رموا قلبا على دبّابةٍ
لكن جنديا جبانا لم يتح لي أن أشد النبل,
ثم أخبئ الأحجار في حفرة
رتق الملوك ثيابهم فتبدت العورة
يتبادلون الكأس من دمنا,
و كأس الخاسر الممرور مرة
ويجهزون جيوشهم لصيانة الملك الحرام,
ويجأرون: جيوشنا في الحرب منتصرة
أسمي أنا الدرة
أهدي دمائي إذ تسيل من الفم المنزوف
حتى عقدة السرة:
لندى البنات وهن يدرسن التواريخ القديمة
والجديدةَ,
علهن يعين فحوى الدرس:
بدءُ السيل قطرة
لندى البنين وهم يخطون الخرائط
علهم يجدون أن خرائط الأوطان سخرية
وسخرة
أسمي أنا الدرة
أهدي سكوت القلب للبترول والفكر
الحكيم وللكلام الحلو والطبقات والزهرة للأزهر المكروم
حتى يدرك الخيط الرفيع الحيَّ بين تسلط اللاهوت في
عليائه وتسلط الناسوت في وطيائه,
والخيط: شعرة
للسائرين بغير معجزة,
وللنازي إذ يزهو بجزمته على البهو المعزز وارمَ الوجنات أو متورم النبرة للعربجيّة والمحبين الأوائل, والحيارى, والمعاقين, الطوائف, أهل أطفال السبارس, رهطِ عمال الإنارة, ضابط الإيقاع, فيلمِ "الأرض", والزبال في ملكوته, لسعاد حسني, للرضا, لجنود الاستنزاف, والثغرة للاجئ المشطور إذ قالت حبيبته: "اشتعل درا على رأس الخراب, لجارة الوادي, لتجار الحروب, وللتسامح حين يغرز نابه في اللحم, للصُلبان فوق أهلّةٍ, لأهلة فوق الصليب, المكوجية لجنة القدس, الطهاة, كتائب القسّام, للقطن القليل, لشهوة الشكل, الصحافة, فائض البن المضيع, حصن بابليون, سمسار الصلاة, وكالة الغوث, الخطايا, للمطوّعِ, عطل أسلحة المشاة, لقصة المعراج, للذبح الحلال, لقبة الصخرة, للواصلين القطع, والمتجادلين على سؤالِ:
الجذر والبذرة
للأمهات إذا تعهدن الأجنة بالحنوِّ,
لعلهن يضعن في مسرى الحليب عصارة الفكرة
أسمي أنا الدرة
أهدي شجون أبي لآباء يحركهم أنين العمر
علهمو يزيلون التراب عن الشفاه
ويكشفون مكامن الجمرة
أو يرفعون على النعوش بنيهم القتلى
فرُبَّ من القتيل ستورق الثورة
أسمي أنا الدرة
هذي الرصاصةُ كبّلت عمري
لتطلق فوق شاشات السجل مرارة النظرة
وتظل قبّرةُ البلاد سجينةً حرّة
أسمي أنا الدرة

صباح الخير
لم يقرأ شيئا عن غسان كنفاني
لم يعرف أن رئيس الوزراء العمالي
لبس ثياب امرأة
كي يذبح عدوان وناصر والنجّار
لم يقرأ شعرا من راشد
أو قصصا لشراز
لكن كان يخمن أن الطوبة في يده
ستشكل معرفة لم تدرس بالمعهد
أو ستطير به نحو مجالسهم في عليينَ
جوار العسل الصافي
واللبن الجاري في الأنهار
حينئذ سيكون الوقت متاحا
كي يقرأ بعض رسائل غسان إلى غادة
أو يقرا مرثية درويش إلى راشد,
ساعتها سيكون صديقا للقصاصين وللشعراء
وسيقول لماجد في الصبح:
"صباح الخير يا ماجد"
و سيعلن  للنخب العليا
أن الحجر ثقافة أهل الخطوة.

مونولوج
نحن جنود الله المختارون
أما تلك فأرض خضراء غصبناها من أهلها
الهمج,
لكي نجعلها متمدنة متحضرة
يزهو بنضارتها القرن العشرون
رفت فوق الكل مسرات
نحن بسطوتنا مسرورون
و أشياخ العربان بحكمتهم مسرورون
لسنا عدوانيين
ولكن الطفال عديمي الرقة حين يمرون
يضعون صدورهم العريانة في ماسورات
الدبابات,
فينتحرون
هم أطفال سود الأفئدة,
استفزازيون وبياعو أعمار, وحقودون,
وموتورون
أما نحن فسلميون وتنويريون ورومانسيون
وأصحاب عهود ومنيرون
لكن المدهش أن الأطفال السفاحين عديمي الرقة
حين يعومون على دمهم في الساحة
ينتصرون.
نحن جنود الله المختارون.

تناص
أخي جاوز الظالمون المدى
سكتنا فصالوا,
خنعنا فجالوا,
وجف على الغصن قطر الندى
يقول المهندس:
"ليسو بغير صليل السيوفِ"
فلا سيف صلصل في أي واد,
ولا جيشنا أرعدا
أخي جاوز الظالمون المدى
رمى الطفل أحلامه في الحقيبة
واستشهدا
أخي جاوز الظالمون المدى يقول المهندس: "جرد حسامك من غمده".
فلم يستجب غير طفلٍ,
ولم ينفجر غير حزن الثكالى,
وأما المليك فنام على لؤلؤ البحر,
واسترغدا
أخي جاوز الظالمون المدى
دماء القتيل تسيل على كل شق
بأرض الجليل
تخط النهاية والمبتدا
أخي جاوز الظالمون المدى
يقول المهندس:
"حقَّ الجهادُ وحق الفدا"
ليذهب غناء المذلة
يبسط لنا الوطن المستحيل يدا
أخي جاوز الظالمون المدى
فبانت سعاد مجللة بالسواد,
وغصت رباب,
وماتت هدى
أخي جاوز الظالمون المدى

علاقة
تشويه النسب العادية بين الطوبة والدبابة ركن من أركان حداثة هذا العصر,
قيام الصبية بالحرب بديلا عن عجز الكبراء سلوك سريالي في صلب التحديث, يؤكد قتل الأب,
مواجهة النبلة للطيارة عمل من أعمال
مفارقة الإبداع الحبلى بإزاحات شتى,
حمل الأطفال قصاصات تحوي الإسمَ
وعنوان الأهل لكي يتعرف بعض الناس
عليهم إن صاروا قتلى, نوع مبتكر من
أنواع التجريب يسمى: موسيقى الفقد,
وإخلاء المصروعين بواسطة الإنسان
الآلي وصول بالتقنية إلى ذروتها
المرموقة , حيث جماليات القسوة والعنف,
ومجد اليأس لدى المحرمومين خطابٍ
يتميز عن سوداوية كافكا بالزغرودة فوق ضريح,
أما تفكيك الآليات الحربية بأصابع
صبيان فهو علامة تيار التفكيكيين ,
ودالته الغامضة, تناص الجسد العريان
مع القنبلة.
فكيف نقول بأن الحدث نقيض
لحداثات الشعر, ونجهل أن تشظي جسد
الأطفال بزخات الطلقات هو المدخل
لتشظي النص؟
الحدث حداثي يا شعراء, فهيا ننقذ
عقم حداثتنا الشائخة بتقليد الحدث المكنوز
غرابات وطزاجات وحداثة.

سؤال
كان يصوب نبلته
وهو يسائل روح طفولته:
حين سيرحل عنا المحتلون
ونصبح وطنا حرا:
هل ستصير فلسطين الحرة
بلدا مثل بلاد العرب الأخرى
يحلم أهلوها بالعدل
ويحبس فيها الرأي المختلف
ويغتال يساريون و إسلاميون
إذا رفضوا كاريزما الزعماء؟

تمرين في النحو
ينتفض, انتفض, الفاعل منتفض, ومثناها منتفضان, هما مرفوعان بألف التثنية, فإن كانا منصوبين نقول: حسدت المنتفضين, لأنهما مفعول بهما, وعلامة نصبهما الياء, فإن كانا مجرورين نقول: حزنت على المنتفضين, علامة جرهما الياء أو الجرارات, وجمع المنتفض المنتفضون, الرفع هنا بالواو أو النعش, فإن كان بحالة نصب قيل: زففنا المنتفضين إلى العرس اليومي, علامة نصب الجمع هي الياء أو الصلبان, فإن كان الجمع بحالة جر قلنا:
هطل على المنتفضين رصاص كالطوفان الدافق, أو قلنا: أجساد المنتفضين هي السد المانع, أجساد موقعها في الإعراب مضاف والمنتفضين مضاف في الحب إلأيه, علامة جر المنتفضين الياء أو الدبابات, فإن كونا جملا اسميات من هذا الجمع نقول: المنتفضون ورود مقطوفات, وإذا كونا جملا فعليات قلنا: قطع المنتفضون طريق الخدع السينمائية, أما إن جاء الجمع على هيئة تأنيث قلنا: منتفضات, فإذا نصبت قلنا: شاهدنا المنتفضات يجهزن القبر لمنتفضين, علامة جر المنتفضات الكسرة في الحوض أو الكسرة في الضلع, و إن رفعت قلنا: تأتي المنتفضات المحمولات على كوفيات القدس كشهب ملتمعات في ليل العربان, علامة رفع المنتفضات الضمة, ضم الأبناء إذا ساروا من حالة كونهمو منتفضين إلى حالة كونهمو شهداء, وإن جاءت في وضع الجر نقول: على صوت المنتفضات وهن يولولن سيشرق صبح المنسيين, فإن جمعنا التذكير على التأنيث بحالة رفع قلنا: يرتعش المنتفضون فيرتعش الكون وترتعش المنتفضات فيرتعش الكون, المنتفضون هي الفاعل مرفوع بالعلم, المنتفضات هي الفاعل مرفوع بشراع وبأفئدة الزراع على المعبر وبأيدي الحدادين الموقوفين عن الصهر وتشكيل الصلب, وإن جمعنا التذكير على التأنيث بحالة جر قيل: هنا ختم المنتفضين وختم المنتفضات على صدغ الأمة, وعلامة جر المنتفضين وجر المنتفضات الحلمُ بوطنٍ يقف الصبيةُ فيه على سبّورات الدرسِ يقولون: انتفض, الفاعل منتفض, ومضارعه ينتفض, وجمع المنتفض المنتفضون.
                                                     (2000- 2001)