الاثنين، 7 نوفمبر 2011

الشغاف والمريمات

حلمي سالم
________

شعر




الشغاف والمريمات


إهداء
إلى أبي: عبد الغني سالم
وأمي: زاهية السيد نصار
                                حلمي سالم






*أربع قصائد في المقاربات*
يؤذن مغرب
يُؤَذِن مغَرِبٌ
فتحطُ عاشقةٌ إِزاراً فوق أبيضها الرهيفِ,
                                          وتنحني.
في الماءِ ترقبُ شكلها شهباً وأعشاباً
بلون رجالها الفانين والآتين
تكشف خطوةً في الصمت,
يسألها الرُّعاةُ عن الخليل.
تحطُّ فوق أبيضها المخبوءِ حُمُّصًةٌ,
                                    وترحلُ.
في نوافذها القريبة كنتُ أسمحُ للفتى أن يختلي بالنرجسات
                                                                الخُضرِ,
يخلع عن مواقتها الأصائلَ,
ثم يبكي فوق شاهدها الشهيِّ,
ويترك الأثواب عندي.
من منائرها يؤذن مغرب.
فألمُّ أوراقي من المقهى
وأحلمُ بالنجيل يحوط حمصة بمائدةٍ
تشيل إزار عاشقةٍ
ترامت فوق كفِّ الغائبين مدىً.
و أحلم بالنجيل,
يؤذن الحزن البسيط فأنحني عند المياه:
الشكل صنو الشكل,
لكن الفتاةَ تلمُّ غامضَها,
وتقضي نحبَها اليوميَّ قرب المغرب المعلوم فِيَّ,
وتنتفي تحت الموائد,
عُريُّها ينحلُّ فوق الأسطر المكتومةِ,
انتبهت,
فخانت خاطري وخطاي.
كان المغربُ الفَضَّاح أذًّنَ,
فانتشلت قصيدتي ملموسة بمسيرها.
كانت عشيقتنا تلملم نثرها خلفَ المكان.
                                            (نوفمبر 1984)

كسرت محارتَها الوحيدة
(إلى ماجدة الطهطاوي)
كسرت محارتها الوحيدةَ,
ثم نامت في مداها,
كنتُ أشهدُ خطوها,
مابين وردٍ والأصول.
سألت:
هل يتخاصمُ السفرُ الطويلُ مع الوصولِ؟
أجابَ طيفٌ في المدى:
طيفٌ يدسُّ صبايَ في أنشوطةٍ
سأبدأ إذ يزولُ.
بها ندىً,
نهضت ترتب رمزها
وتخبِّيءُ البدن الوحيدَ عن الفصولِ.
السِّرُّ خامرها,
فشكّت شعرها
في نيزكٍ يمضي إليَّ على الصدى.
خَلُصَت إلى أنفاسها وتراثها الليليِّ,
دَسَّت في يديَّ محارة مكسورةً.
كانت إلى النهر الصموت,
خفيفة كالموت والنجوى.
وكنت على دمي المفصولِ,
أشهد خطوها الموصولَ.
هل ستمر من رئتيَّ؟
لا أحدٌ يجيبُ,
و لا محارتها تقول.
                                            (نوفمبر 1984)


تقلب خطة القلب
إيماءة صغرى,
ورائحة مطهرة بملح حنينها المكتوم.
تثقلني المحادثة المرمزة:
احتقنت على دماي,
وقلت رأيا في التحزب والصراع الجهوي.
مناخ هذي المهرة الحرَّى
يتيح لهذه الأشجار تأويل التنفس بالجنون,
                                             والابتسامة بالضنا.
تتراوح الإيماءةُ الصغرى إلى عمري القليل,
فانتحي خلف انخطافي
كي أرتب جملة تصف انخطافي بالرقائق.
تقبل الأنثى على روحي,
وتمضي,
تترك الإيقاع منكسرا على شفتيّ.
كان الوجهُ قرب الوجه,
بينما داء في الهواء يرف مثل فراشة داخت
                                                     على القنديل,
تسكن في اليدين هنيهة,
وتطير في شجر المكان برمزها المرئي,
ثم تعود تهمد في اليدين.
تقول: لا تبدأ قصائدك القصيرة من عيوني
فالعيون صنيع غيري,
آيتي الزمن الذي نسج العيون.
سجائري نفدت وقلبي مستديم,
تقبل الأنثى على بدني لتقلب خطة القلب,
استقرت كالسراب,
ورواحت مثل الطبيعة.
هل أبوح بأن جمراً يشتهي جمراً؟
تحطُ على الفؤاد,
شفيقةٌ كالليل حين يسوقها في الحلم:
تخلع جورباً,
وتنام في تركيبيَ الشعريّ
عاريةً
سوى من مسة الكف الوجيدة.
ترقب النيل الرمادي الحفيظ,
تصب قهوتها التي ابتردت:
ستدخلني من الثقب المقدس بين جلدي والضلوع,
وليس من عينيّ,
إني ضد جسمي,فاعزف القيثار ثانية على نفس المكان,
وخل الجمر موصولا بجمري.
تقبل الأنثى على بدني,
وتمضي نحو برنسها المعلق,ثم تكتب في الندى:
هل أنت مشتاق
وعندك لوعة؟
                                                           (فبراير 1986)

خذ تحوطك الملائم
(إلى ماجد يوسف)
تسَّاقط الساعات في حلقي
فيغفو في دمي رجل صغير يستريح على يدي,
كأن أسفارا هدته إلى الحريق
ليرتجي ظلا على شجر الوداع,
كأن دمعته على وزن ارتطامي بارتجافته الأخيرة.
ضع ملابسك الجديدة في الحقيبة,
وانتبه لنسيج قلبي في الهواء
وفوق لحمك طائرا
كقصيدةٍ.
هذي الظلال توزعت بالعدل فوق طريقنا المدقوق
وانسحبت على شجر الوداع,
فخذ تحوطك الملائم من عيوني
لي على الخطو استدارات مفاجئة
فيّقظ قلبك الغُقلَ.
ارتجل سندا لعمرك أو لعمري من أماسينا الضليلة,
سوف نفرد في غد قمصاننا عند الخليج,
وننتشي بالخلق والمخلوق والوجع البهيج,
هناك ترتهن المؤنثة العصية للمذكر في الحديقة
والمحطات الأليفة حين يشحب ضوؤها البشري,
سوف نكون مثل بحيرة أولى.
المسرة في الفضاء تلامس القمصان لمسا جانبيا
كالحوار الحر بين فؤادك المخدوش
والرسم المشابه لي بجيب قميصك الشتوي
محفوفا بجلدك والدجى.
رتب حوائجك الصغيرة في الصناديق الصغيرة
 واعتدل:
إفرح بجرحك واتَّبعني
هذه الساعات في حلقي ستسقطُ,
فاحتملني ساعة أو حقبة في ضلعك الذاتي,
حتى تستجيب الجمرة البيضاء في الكفين للنجوى,
وينسجم النسيجُ.
لنا الطرائق وحدها.

*قصائد الشغاف*
عزف
العازف يتوحد في وتره
يتداخل في الموسيقى متئدا
                                          مخترقا
يسكن نبرته,
ليحط الطير على كم قميصي.
فلماذا حين انسكب القلب على المرآة ارتجفت أهدابي؟
ولماذا حين انجرفت معزوفته أبصرت المدية في نافذتي؟
العازف يمضي نحو بدايته الأولى,
يتبدى في طرف الحقل المروي بشوشا وصموتا.
فلماذا قلت: العازف يتوحد في وتره؟
وأنا أعرف أن العازف يتضرج بمواجع شجره
ويسير على الموسيقى منفلقا
يتخفى في نبرته ليحط الطير على قدره
في كم قميصي
مختنقاً.

غرفة
كمن يبت بحره عن اهتياجه
كمن يباعد البيوت عن حصيرها,
تجئ لى الهنيهة المزلزلة.
هل الهواء بين ساعدي والمساء
يثقل أشياء مهجتي التي تطير في خواء غرفةٍ بعيدةٍ؟
هل الأصابع التي تشابكت خلاصة لأزمته؟
كمن يشق غيمة عن اكتنازها بزهرة محملة
تشفني الهنيهة المزلزله
وتختفي على بهائها كمن يغيب في بهائه.

العابر
كان على العابر أن يمتحن يديه
وهما تفتتحان الخطوة بين الزرقة والمصرع,
العابر خانته الحنكة في وصف الصلة الموصولة
بين زفير السيدة الصغرى والشعر,
فشارف بعضا من ميتته المخصوصة.
كان يغني في ليلته:
للأنثى أن تحتكم إلى النهر لينصرها ضد الأفق اللماح
وأخيلتي,
ويثبتها خلف ستائرها:
بمحاذاة القول المكتوم وأعلى من إبريق مصبوب.
للأنثى أن تختصر الماشين إلى ذبذبة
بين تحركها وفضاء أريكتها النابض.
هل كان على العابر أن يقطع هذا الزمن المتوتر
بين الزرقة والمصرع بالأغنية المنقوصة؟
واجه سيفيها المغسولين,
تأمل غيبوبته الحاضرة,
وراجع غنوته وهو يشارف بعضا من ميتته المخصوصة
للأنثى أن تصنع في شرفتها فانوسا
وتداري أبيضها الغفل,
وأن تثني ركبتها لتقيم الرمز على مائدة
بين المس وجسد الممسوس,
وللأنثى أن تتحصن خلف تنفسها الموقوت.
فهل كبان على العابر ا، يمتحن الصلة الموصولة
بين زفير السيدة الصغرى والشعر,
لكي يتخير ميتته التامة:
هل في الأغنية المنقوصة؟
أم في الخطوة بين المرأة وقصائدها؟
العابر خانته البرهة.

جماعة
كساقية من لظى تقبل المرأة المستحمة
جدائلها المرسلات على البطن والناهدين:
                                            أثمة
أكنت المصلي أم المصطلي؟
أفردا؟ أتلخيص أمة؟

القرط
صحت إلى نعاسها
مشت وحيدة تجاه قرطها,
حكت حكاية سريعة عن الفتاة والشاعر الكذوب
وغمغمت:
يظل من فلة أريجها لا شكل طينه الأصص.
بكت وحدقت بقرطها,
ثم غيب النعاس هدبها على يديّ
تأرجحت بنهرها على سريرها القديم
وفي جوارها قصيدتي الأخيرة:
تكاد أسطر حزينة تلامس الخرزة الملونة
يكاد طرف القرط أن يحف في حروفها الكسيرة.
وهي ما تزال نائمة
بلا أصص.
وبينما يحف بي الأريج كنت في فضائها معلقا أحف به
ونهرها الحديث ما يزال في سريرها القديم
جاريا بغير شكله.

صورة
الذكرى تركن ثدييها فوق أصابع قلبي,
وتشاغل عينيها بتأمل أشياء الله,
وتغفو في صدري.
الذكرى تفرط في السهو ضفائرها المبلولة فوق قميصي,
وتحدثني عن أخطاء الأحزاب وعن خاتمها الوجداني,
    تصب القهوة هادئة
وهي تداري دمعتها في جلبابي,
وتخبئ شفتيها خلف  هواء الحجرة
وهواء الحجرة يقظان.
الذكرى تخلع برنسها الفضي وراء الباب المردود خفيفا,
وتموت.

النرجس
لا تشرح نرجسك المخطوف تماما
فالنرجس فوق حكايته,
وأخف من اللغة المكتومة بين البط وماء بحيرته المقفولة.
واختبر النرجس هونا
فهو أغض من الأسئلة المألوفة
بين الجمرة ورماد سخونتها.
لا تقل النرجس حد لي
فالنرجس ضد الشاطئ والقوس
وهو أخي الخيل.
لا تك سندا للنرجس في غسق
فالنرجس سند لسماء النهر وغرينه المطمور بأقدامي,
حسبك أن تصبح محفوفا بعلائقه الليلية
                       بين الطلقة والناي.
لا تذهب للنرجس في شفتيه
فهو براء من صفو الأعضاء
واذهب فيه على الشعر وطفل يسقط من أرجوحة.
لا تقل النرجس فواح وكميل,
فالنرجس أبعد من هيئته الملموحةِ
وأدلُّ من الحقلِ.
قل النرجسُ بدنُ هواءٍ يتذبذبُ
بين الماء وبين الطير الطائر حَفوَ الماء.
وهو النقصانُ تماماً.

القطة
 كأنها ستخمش الفؤاد وهي تتروى بركنها بليلة,
كأنها ستدلق البكاء في أصابعي
                               وهي ترشق النبال في قرنفلة
على حدود حربها مع ارتعاش نهدها ارتجفتُ
كسرت نسمة سرت على مسارب السهول بي
وامتزجت في تيه روحي
على حدود عريها مع انسراق خطوها إلى فراشةٍ
تحط فوق جبهتي رسالة تطوف بين خائفين.
تسللت إلى جريدة الحزب ليلة,
كأنها ستستريح من رحيلها بميتةٍ فريدةٍ
وهي تبدأ الرحيل من خرافتين.
رمت سؤالها الدفينَ:
هل هنيهة الطريق ضد برهة الغريق؟
كومت على الخوان ثوبها كأنها ستخمش الفؤاد فجأة
وأشعلت عيونها بزهرة
                 كأنها ستبدأ الغناء من نسيج سهوةٍ
ومددت على يدي شعرها لكي تدس فوق نبعها الغطاء
فتحجب ارتعاش نهدها الخفي عن فراشة
                                              تظل صاحية.
لم تعد إلى سؤالها عن الطريق والغريق:
  مضت إلى الظلام في دروبها الوحيدة
  وحيدة
سوى من انحدارة تفتت
تكاد تشبه المهابط التي أسير ضمنها
                                  إلى هزائمي.

الشئ الأبيض
كيف تسمي هذا الشئ الأبيض بين العازف والمعزوفة
وهو خصيم إشارته؟
هدهده قليلا
واشبكه على القلع لتبصر كيف يكون غريم الموجة,
كيف يحط البحر بديلا للبحر,
و لا تقترح الليلة رتبا للوقت المملوء
بهذا الشئ الأبيض بين الحلمة وأناملها الموصوفة.
صف نهرا تستبدله بخصائصه حين تشير إليه,
فهو خصيم إشارته.
شخص بلدا طائرة في كف
      إن كنت تود ضلوعك مصفوفة
      بخزانة قمصان السيدة الزرقاء,
فهو نقيض الأمكنة جميعا.
لكن لا تصف الشئ,
الشئ انفلت وراء تعيينه نحو أضاحيه المقطوفه.
فاركض صوب اللهجات به
                 حتى ترمقه ينفي الأحرف عن أبيضه
                 ويغيب على عيني سيدة زرقاء
                 خلوا خلوا إلا من أنفاسي.
لا تقترح اسما – هو عكس الخلجان
لا تقترح  اسما – هو أغمق من حالته وأدق من البيضان.
لا تقترح اسما لخلي الأسماء المخطوفه
فقط اكتب:
هو هذا الشئ الأبيض
بين الأحدوثة ونهايتها غير المألوفة.

 آخر الرؤيا
يخطف الروحَ من روحها خاطفٌ
فيه مسٌّ منِ اسمي
وفي ثوبه بعضُ دمعٍ توارى على كفّه عن رؤايْ
واصلٌ بين أشلاءِ روحي وبيني
كلما جاء في عُريه التقى الوعلُ في خافقي رعبَه
كلما جاء في لونه جئتُ في صورة لي
على شرفة البيتِ حطّتْ
وخلّتْ رتوشاً بها بعض لحمي
واشتعالاً قريباً لأهزوجتي أو دمايْ.
يخطف الروحَ من روحها خاطفٌ
يخلط الروحَ في راحها،
مازجاً في سمائي سمايْ
ناسجاً من رمادي مدىً شَكْـلُه الحبُّ،
صوتي على عزفِه: نائحٌ روحَه الرائحه.
يخطف الروحَ من روحها رائحٌ نحو وهمي
بين خطوي سراباتُه لي
سراباته في خُطايْ.
هل رحيقٌ على داره: نزفةٌ؟
أم رحيقٌ على داره: نايْ؟
هاجسٌ يخطف الروحَ من روحها
أقنعَ الوعلَ بالركض نحو اسمهِ
بين تلٍّ من النرجس الحيِّ
وارتعاشاتِ داري على المهجة الطافحه.
يسقط الوعلُ في راحتي غارقاً في لَظايْ
يسقط الوعلُ في صورة رسمُها كان مسّاً من اسمي
غاب في قبر روحي وراحْ
عندما جاءني في صبايْ:
خاطفٌ يخطف الروحَ من روحها،
شكلُه: الخاتمُ المستحيلُ
صوتُه: الروحُ في قعر روحي
وهي تستلهم الخطفَ من خاطفٍ
باكياً
خالعاً روحَهُ
عند روحي.

جميل
تهيأت لحالها وقالت: ارم لي القرنفلة
وكان صائح يصيح بي:
ابتكر مداك واحمه من المشاتل المجرحه
و لا تفض سره العلي.
قالت: ارمِ لي القرنفله.
قرأت من "جميل".
      "خليليّ إن قالت بثينة :ماله
أتانا بلا وعدٍ
                                  فقولا لها: لها
أتى وهو مشغول لعظم الذي به
ومن بات يرعى السها
                                   سها
بثينة تزري بالغزالة في الضحى
إذا برزت لم تبق يوما بها بَهَا
لها مقلةٌ كحلاءُ,
نجلاءُخلقةً
كأن أباها الظبي أو أمها مها
دهتني بود قاتل وهو متلفي
وكم قتلت بالود من ودها
                               دَهَا"
وحينما انتهيت كانت استوت على سكونها
رمادا استراح في المسافة التي ستفصل الجبين
                                                            عن جبين
وتفصل الغناء عن فنائها الصموت.
نَدَى جميل
كان يستقر في خبائها,
وكانت اختفت على سطوح بيتها بلمحةٍ,
وليس في يدي غير ذبذبات حالها على الهواء,
بين عرشها وتمتمات أضلعي,
وفي البساط يرتمي ندى جميل.

الأهرامات
الأهرامات محاذية للشرفات
والكازوارينا عالية
تقترب من الصورة فوق زجاج النافذة المفتوحة,
     وتحف بأغنية مكتومه
تسري بين الحجرات.
والمرأة مستلقية في مخدعها الواسع
                                        واحدةً ووحيده,
تتأمل شكل الأهرامات محاذية للشرفاتِ
            وشكل الكازوارينا عالية
            وهي تلامس صورة رجل بالية
            فوق زجاج النافذة المفتوحة.
كان سرير المرأة
أوسع من بدن المرأة
       بمسافة بدنٍ
أضيق من أغنية مجروحة
     بمسافة بحرٍ
الصورة بالية والأهرامات محاذية للشرفات.

سهرة
حضوروها يطير فوق حاضري
أخف من محاولات قبضه بمهجةٍ,
وأبعدَ ارتجافة من المسافة التي تباعد البيوت,
وليس بين عينها وراحتي سوى انكسارتين.خانني تحسبي الطويل
فما وعيت أن نهرها الحديث حينما جرى على سريري
فإنما ليغسل السماء مني
وينحني لذاته لا لجلدي القديم.
تريح قلبها هنيهة من اتصال رقصها على القلوع
وتدفن الدموع خلسة على كتابي
فخانني حسابي
     بحضرة انكسارتين:
انكسارةٍ بعمق سقطة الهواء بين هدبها وصمتي
وانكسارة بطول الارتحال من صوامعي إلى مناخها:
      أخف من محاولات قبضها بجسمي,
وأنصعَ انتحابةً من المنائر التي تقوم بين قاربين.

مايزال طائراً حضورُها على رءوس حاضري
خلصت سماءها من اشتباكها بحبري
تحدثت عن الرفاق وانتقاضة المدرسين والزمان
وأوقفت صدى المسجل القريب
ثم أخلدت لفحّة انسلال روحها من المكان
فقلت فكرةً عن البداية التي تشابه النهاية التي تحوم.
ولم يكن على المدى الذي يحد عينها وراحتي
                                            سوى انكسارتين
                                           وكلمةٍ عن السفر

مرة
قطفته – أنا وأنت – مرةً
في جنينة على زمام قرية بعيدةٍ,
                                        وكان أيضاً.
قطفته – أنا وأنت – في محطة القطار مرةً
وكان نائما وراء هدبك الحزين
فهمَّ واستطاب نفسه وحط شكله أمام نادهين
وكان شكله مباشراً وأبيضاً.
قطفته – أنا وأنت – مرةً
تحت موجةٍ عليمةٍ سماؤها ازرقاقة خفيفة,
فانتقي قطافنا اشتعاله كلؤلؤه
على دوائر المياه تحت موجة عليمةٍ
ونطَّ فوق سطح مائه, فكان أبيضاً.
أنت سميت ناره خرافة مرة
ومرة
سميت لمستي: صلاه.
وكان الاسم كل مرة مزوَّقاً, وأبيضا.
واللحن صير الحقول خضرة تنز أبيضاً.
فما الذي أراق في بياضنا عكارة الدماء مرة
وسوى جنينة أليفة بمدفن
تدس فيها وردةٌ غناءها الثقيل
        ملوثا مرة
                    ومرة أبيضا؟
كنت أول العازفين, مرة,
ولم أكن نهاية القاطفين.
وكان نصل خنجرٍ بخاصري
               أبيضاً
                   مرة,
ومرة
         أبيضا.

مواربة
ما يزال باب بيتها مواربا
وقلبعا مواربا
وجسمها مواربا.
وهي ما تزال في سريرها العريضِ مأخوذةً
                                               ترتب الكواكبا.
تلذ باختيار دفئها الثري من قصيدةٍ
     يرف جمرها على الفراش هادئاً مرتبا
رَضيّةً بمعزوفة تجئ في المساء دافئه
لا بعازفٍ يجي في الهزيع لاهيا
تاركةً باب بيتها مواربا
وجسمها مواربا
وهي ما تزال في سريرها العريضِ مأخوذةً
                                               ترتب الكواكبا.
      غيابها كان حاضرا,
      حضورها كان غائبا.
                                                                     1984


أربع قصائد في وصف الذات
حفيف فكرة تهيم
كأنني ارتقبته يطل من إهابي
حمامة تسد كوة اغترابي
بليلة فتحت بابي
أذاع لي المسافر البطئ:
قماط ساعدي معاكس لخطوطكم على الخلاء
وشاهدي مؤهل بزهرة وحيدة
تخالف ابتدائكم بالانحلال في الرحيق.
قماط ساعدي: طريق.
كأنني انتظرته يفئ
رموز خضرة تشق في عطانة اللظى خرابي.
بليلة فتحت بابي
أطاع مهجتي المسافر البطئ
ليمنح الزمان لي لكي أتم للورى سؤالي:
ترى تسربت مع المسا صبية تشابه الحدود
تخبأت بأرزها الخفي أو تكللت بحلمها الثقيل
لتربط الخلاص في قميصها البليل؟
بليلة لمحته:
يهرول الفتى على ثرى بلاده مؤججا بصيرته
لينتقي مع الأسى المتاح جلوتين من جوى:
مدامع الزاحفين في القرى, وفتنته.
فلم يخص وردته
بغير بحة هزيلة وهام في ملاءة الفضاء.
تراه في غياهب السنا أضاء
أم تراه كان ملزما برقصة بهية مع ارتعاشة الثرى؟
له حفيف فكرة تهيم
له زمان قبرة
له اختيار بردتي دثاره,
أو اختيار برقه النقي ضد شمعتي المعفرة.
كأنني اقترحته على سرابي
وشلته أريج وهم استكان في ثيابي.
هل استقت دماي صوته يقول:
هذه المحركات نفي حضرتي,
فلا وجودكم لنبضتي لبوسها,
ولا سماؤكم تليق باحتضارتي,
                   تمرد الفتى علي
                   ومات في يدي.
جِسمان بجُثمان
   (إلى ميدان الدقي)
في الميدان المشجوج, لمحته:
     كان هو الناحل نفسه.
     كان هو الهائم نفسه.
فندهته.
انخرط بعتمة درب كنت شبكت على شجرته أسمائي,
وشبكته.
انداح على غبشته الرفافه و فتبعته
اصطدمت في رض مكتوم رئتانا, فعرفته:
كان الشج عميقا بين العينين.

حين انحرف على صدري
ليقول: اذهب لترى الكون يفيض على شباك الأكوان
بنثار غموض الأنثى ونثار غموض التوت
لم يك يعرف أن دمائي في رؤياي
في ثقوب حياتي حدقات تبصر لتموت
وخطاي
مقل تتملى رفرفة الملكوت.
لما صار جبين بجبين,
لمح الجثة في الرؤيا, والرؤيا في حجم التابوت
والمشهد: جِسمان بجُثمان.
تتسع الدائرة على الغبشة وتضيق على الناي
وقريني حين انقسم على تجعيدة كفي
كان يري الكون اتكأ على أهدابي,
ويرى الأمكنة وقد صارت سكينا في جلبابي.
صرخ: الأمكنة استشرت في شريان قتيلي.
وأنا من تحت الأبنية همست:
                      الأمكنة هنيهاتي والطرقات سماي.
في الميدان المتخفي عن جسمي أبصرته
كان يعبئ سنواتي في جمجمةٍ مثقوبه
ويرتب أوردة صباه على قلبي,
كان زماني المغدور وقد صار مكاناً.
 وعلى العتمة رئتان
ونزيف فضاح لدم مفتضحٍ
ينحدر على الجدران إلى أعلى.
                                           ليت المكان كان خرقة ولا زمان
                                          ليت المكان كان جغرافيا بلا ضلوع
                                         أو كان دمية بلا ملامح انكسار وردة
                                                                     تضيع إذ تضوع
                                               } ليت المكان كان لا مكان{

ينحني على بلاده انحناءة
         (إلى صلاح عدلي)
كأنه ينام في خصائص ابتدائه,
كأنه شبيه مائه,
أتى إليّ وهلة وغام في الغمامة,
استعان باضطرابه على خطاه, واستكن.
كان يستريح في الخراب من ضنا فؤاده الحيي,
فاستقر في طريقه على طريقة من الخطى تخص هيئة
الصلات بين عمره وبين أهله المبعثرين في فضائه.
انتمى لوردة تحط في الخفاء عطرها,
وعطرها على يدي,
تحت نخلة غفا, وقال:
هذه البلاد من ملامحي, وهذه القناطر الضلوع.
كان يختفي وراء ماءه
يستدير خلف حارس,
يغز في الجدار أنملا يبله بروحه,
فيسحب الفتاة من خلال كوة ويستقيم في شئونها,
يدس في غيومها اعترافه الوحيد: ياسمين.
هزه الجنود فاستدار في المساء داخلا نسيجه الطري,
واستطال عند رأس حارة,
وكان مثل قطنة: مجففا وناصعا,
يدق باب شرفتي,
فتحت: فوق مشبك الثياب كان رمزه يرف في هوائه,
وفوق سترتي البليلة الرسالة: الدمُ – البلادُ.
لم يكن سوى مناخه على جدار شرفتي,
           و لا على يدي غير ريقه المراق.
واحدا سيبدأ الخليقة الأخيرةَ:
اكتفى بذاته,
اكتفى ببلدة بحجم طلعة الإله واستراح من ضنا الفؤاد.
هزه الجنود فانحنى ليكمل ابتناء بيته على دمائه,
وبان من خفائه,
السماء حولته لي: فراح يصهر الفضاء طفلة,
ويرصد المسافة التي ستفصل الشذى عن التويج,
                أو تباعد الدى عن المضيعين فيه,
ثم راح في غمامة وحيدة يفكك الحياة عن غموضها,
يداعب الجنود وهو يرتقي سلالم القرنفل الندي,
كأنه ينام في خصائص ابتدائه
كأن موطنا يكن في ردائه
كأن يرب في طلوعه دواءه بدائه.

أحد لم يتبعني
        (إلى حسن طلب)
لم يتبعني أحد , كنت أسير على شرياني
أفحص صفتي في ذاتي, وأعدل كوني بكياني.
لم يتبعني أحد, سرت وراء الهاجس مخطوفا,
يدلف بي في سرداب – أدلف في سرداب,
يترنح في السرداب على جسد أعتمه الغسق – فأترنح,
يشعل في الخطو سراجا رمزيا – أشعل رمزيا,
فيحط السرج على بطن المنطرحين وراء النافورات المعجونة
بحناجر تصرخ بالرؤيا المكتومة – فأحط
                    السرج على بطن المنطرحين,
فباغتني في المنحدر, التف علي وواجهني,
لكني كنت أفسر بعياني غيبي وأفسر غيبي بعياني.
                (كانت تمضي
                  تبذر في الأشجار رمادا من ومضي
                 تتبدى عبر الحلكة كالأسرار,
                 ولكن بالسر الهارب لا تفضي
                 أرمق ساحلها المكشوف على بدني,
                                                              فتغض وتغضي

تمضي
تاركة بعضي مسكونا بوساوس بعضي)
قال الرجل: افرط عنقودك, ففرطت.
اقتاد خطاي إلى الدغل النابض, فانقدت.
فبسط على الأفرع شال امرأة مربوبا في طيب,
قال: تلفع, فتلفعت. تشمم, فتشممت:
كمن غبت,
كمن رحت وفي الحضرة جئت,
كمن نوديت ومن غير نداء لبيت,
القائل قال: استلق على المجمرة, فحاولت وما كدت,
اختلطت أكواني في أكواني.

ختم الرجل جبيني من ختم الدغل وشد الرسغين,
انخذلت قدماي على عشب ماس وعشب سوف يميس,
كمن نحفت بليل, فنحفت
وذوبت بكفين محنكتين فذبت
وخففت فطرت
وفي طيري حيى العارية وحياني.
انحل المعقود علي,
فمال الرجل إلي,
أشار إلى بيت خلف السهل, نظرت:
رأيت كياني منسوجا في شال امرأة مربوب في طيب,
والشال على كتف الجندي المقتول,
الجندي المقتول مقيم خنجره الصاحي في حلقي,
حلقي ينضح نخلا مجهولا في باحات البيت المشروخ,
البيت المشروخ صغير كالترعة في طيني,
والترعة في طيني تجري بالماء الدامغ تحت شقوق الروح بأبداني,
تذروني في أطراف النخل الممدودة,
لكن النخل يفتت صفتي في ذاتي ويبعثر كوني بكياني.
أحد لم يتبعني, كان رفيقي شرياني.
                      (84 – 85 – 1986)

سبع قصائد في المريمات

        (إلى إدوار الخراط)
وسيلة
وهبت لنقش السقف طائرها المخفف,
ثم راحت عند قوس الكورس الخلفي تحصي خصرها,
والكاهن ارتفعت أنامله بوجه الصبوة البكر.
اختفى زمني على صوتين,
فانسابت قنابل.
انخطفنا,
والنحور وسيلة للرب.

حساسية
بوغت أصرخ جنب روحي
كلما تركت قميصا عند عازفها المنحف,
وانثنت قرب اليدين.
احترت في جسدي,
وقلت: كأن أبيضها المرهف ضد شعري.
ثم مست ركبتي.

كشفت صديريا
خليلي ينحني للرمز.
لكن عاجها المبيض لي.
كشفت صديريا وغابت في الشفاه الحرة,
انزاحت غلالات,
فمات فتى يسمي نفسه البدن المضيع,
وانزوى جنب الإله.

خطفن كمثرى
المريمات خطفن كمثرى من الروح المقدس,
ثم أطلقن الضفائر قرب عظمي,
فانجرحت,
ولم يكن إدوراد مثل حمامتين,
           يخب في الوله العتيق.
فكان يبكي ساعة,
ويعود ثانية إلى خطافه اللغوي,
كي يصل التويجة بالتويج.

اقتربت يداي
كانت تبدأ الإنشاد
    من وجعي المغلف بالبطاقات المباركة,
استدارت في صباها لفتتين,
          وأقبلت في الشجو,
تمنح نفسها لشفاهها المخصوصة.
اقتربت يداي من الوضوح,
وكان إنجيل قديم يشرئب على رخام أنثوي,
وهي تفتح نهرها للنهر,
كي ينحل ماء
           فوق ماء.

مسافة
يترتل النص المؤلف في الأعالي,
للعلاقة بين ردف والأصابع,
فانتبهت.
العازفات صنعن معجزة مبسطة لقلبي,
ثم خضن به المسافة
               بين عمري والنصوص.
هنا الهواء يمس كعب الفتنة المجلو,
فارتاح الروائي الشجي لبرهتين,
ومال صوب حروفه العليا:
المسافة ما تزال.

بلاغة أخرى
وتر خفي,
هذه الأنثى تسرب صوتها لي في الوصايا,
يومئ الترتيل للغيبوبة الصغرى بخطوي,
ثم يخفت في المدى
يصف التقارب بين خصري والنبي.
الضارعات وضعن كعكا في نهود الضارعات,
بلاغة أخرى سرت فوق الرؤوس:
      تمجد الجسد الكريم.
وكنت أجمع ما تبقى من دلالات,
وأمضي نحو عمري
     إن هذا النحو ذاكرة
       ولكني أزول.
                                     (نوفمبر 1985)

قصائد الوداد

سؤال
تسألني نرجسة متوجسة:
قصائد الوداد

سؤال
تسألني نرجسة متوجسة:
هل في صخرة عينيك الراحلتين المرفأ؟
فأغني للروح: وهل معتل بالأشواق المخبوءة يبرأ؟
تسألني نرجسة متوجسة:
ماذا يمنح لمحارتنا زمنا ينداح على الرمل الصافي,
ليس يحول و لا يصدأ؟
فأجيب: الخمر البغدادي ببشرتك: الخاتمة,
                                            وعيناك المبدأ.
فدعي طيرك يلتقط من كفي الأرز,
      ويغسل اجنحة الأرق,
                            ويهدأ.
نرجسة متوحشة
               تنهي سير الترحال
                              وتبدأ.

البرج
نصل يصل السنة بسنة,
طرقات صنعت للخطوات,
هواء يشبك أفئدة مائلة في أغصان مائلة,
عشب النادي الأهلي,
القهوة,
والقصاص,
الخفقان,
وخطوات صنعت للطرقات,
الحلم بضمة منتصف الأزمان,
القلعة شاحبة كالياقوت,
حنين الكف إلى الكف,
القدمان جوار القدمان,
السيارات المنزلقة كاليرقات,
البئر,
نزوع المبترد إلى البردان,
سراب الأهرامات,
أراك عصي الدمع,
السكر ملعقتان,
الدنيا شاهقة والروح المخطوفة شاهقة,
نصل يصل السنة بسنة,
وعيون صنعت للدمعات.

أتيليه
حدث رفقاءك عن سوسنة,
واصرف عني لغة الضاد قليلا,
فأنا سأدبر جنوني ببراءة إقليمي:
          سأمر مساء بأتيلييه القاهرة,
          وأترك لك خرزا أزرق والمبسم,
          أسأل أنور كامل عن سيرتك الذاتية,
          أو أصغي لخصائص تجربة "الللاز".
          فحدث رفقاءك عن سوسنة.
أعرف أنك رمز اللوحات المائية,
وثيابك طائرة فوق الأمكنة المنظورة,
قل لي: هل مزج الأحمر بالأزرق يعني أنك تنتظر
                     وراء التأثيرية نهديّ؟
وهل وضع النخلة بجوار الفخذين يدل على قلق الشعراء؟
كريم الدولة كان مليئا بالفتية وشحيح الضوء,
فنادين: اصرف عني لغة الضاد قليلا
            لأحرك في الميدان ذراعيّ,
            وأمضي نحو لقاء النيل مع المتوسط
            كي ألمح وجهك خلف رذاذ الميناء
            وأخفي ولعي في قمصان الرسامين,
فحدث رفقاءك عن سوسنة
       خفقت في عروات الأعيان المنفيين
       وحطت فوق الجدول ظامئة.
أعرف أنك ثمة,
وأنا سأدبر أمر جنوني ببراءة إقليمي,
وأجئ كريم الدولة سوسنة.

ثوب بنفسجي
هذا الصوف المصري
إذا لامس جسدا من أبنوس يتوهجُ,
وإذا اصطبغ بلون دماء غزالات مجروحات يتهدجُ,
ويشف كقيسَ,
         يحدثني وهو صموت.
هل يحتمل فؤاد مصاب هذا التركيب البشريّ:
نسيج نباض ينسج,
نول لف على كرة شرايين,
بنفسجة فرطت فوق البدن المحروق,
غزالات محقونات بالجمر الفطريّ,
جدائل محبوسات في خرز أبيض تتماس مع النقش
المضغوط,
وتحتك بشهوات صغرى تتخايل للخاطر,
             تتأججُ,
             وتفوت.
ماذا يحدث للخلق الأول
حين يلامس قص الطرزي المضبوط
رؤوس الحلمات المخبوءات وراء الملكوت؟
النسج المخروط على فرع مخروط
يعرف أن مسافة ما بين المخروطين
             يروقها خيط هواء شرقي
             ويوترها نفس الشاعر
             وهو يذيع حروفا أولى من عمر مسكون بالتابوت.
تنصب دماء غزالات مجروحات فوق الجسد الأبنوسي,
فينشج وينشجُ,
ووراء بنفسجة كان الصباغون العذريون
             يخطون على الصوف المصري
             سؤال الأنثى المخطوط:
ترى من يخلعني من هذا الغزل اليدويّ
ومن يخطفني من ورق التوت؟
 
حوار
سألت: أي قناديلي خطفتك إليّ؟
فأجبت: القنديل المحمول على خصر نبي.
خطفتني سمرة نرجسة تحبو من خديك إلى عينيّ
أسراب يمام هيام
نامت فوق الهدب اليقظان وماتت في الأرق الحيّ
بللورات مكسورات هربت من أقفاص طفولتها
                       لتحط على زنديّ
قالت: فاكشف لي رمزك يا جنيّ
غنيت أنا المخبوء وراء أصابعك الحيرى
                                                والعلنيّ,
      الغامض في الورد , وفي الجمر جليّ.
فضعي قناديلك في نافذتي
ودعي أصدافك تصنع لؤلؤها وتنام كأبد في شطيّ.
أي قناديلي خطفتك إليّ؟
قلت: حزين الضيّ.

مطر
سيدة تمشي تحت اللؤلؤِ,
واللؤلؤ سيال من كف الله انساب,
الماشون اختبأوا خلف السور الحجري,
وتركت أسر شرفات النهر إلى الحجراتِ,
وسيدة تمشي تحت اللؤلؤ.
شارع أحمد شوقي يلمع بالبلل الطازج,
واللؤلؤ سيال من كف الله انساب,
السيارات المقفولة تمرق داكنة وتنث رذاذا,
كان الرجل المنتظر يغني قرب الجسر:
        إذا ابتلت أثوابك سأجففها بدمايَ.
اللؤلؤ يغزر ويخفُّ,
الأشجار المغسولة تتشهى الجمرة وتراقبُ
               سيدة تمشي تحت اللؤلؤِ,
والطرق خلاء إلا من ساقين تحثان الخطوَ,
الرجل المنتظر يغني تحت الجسر:
إذا ابتلت قدماك سأمسح قدميك بخديّ.
الشارع ممتلئ بفراغ المارة,
واللؤلؤ
يمشي تحت اللؤلؤِ.

زمن حاتم زهران
إعتام يفتتح نهايات الضوء,
رءوس تنبض مشدودات نحو البؤرة,
شهداء يروحون وشهداء يعودون,
يداها فوق يديّ
      كربين صغيرين يسوقان الغفران لخطائين صغيرين,
الدبابة والمرسيدس رمزان لكونين اصطرعا تمثيليا,
وشهيق يترقب كيف ستنهار الآلهة المرسومة,
هذا الخفق المكتوم بأوردة صناع للأسرار,
امرأة وأصابعها في زاوية,
أفاقون رقيقون يعدون السهرة في مهل,
وسخونة كفيها صاعقة,
بناءون حديثون يطيحون بمنزل منقرع,
الموسيقى عكس النرجسة المتوجسة,
وعيناها تلتمعان,
الدبابة تخلي للمرسيدس درب الحرانيية,
قالت: كنت على زنديك مخدرة بالبهجات,
المعماريون الجدد يفكون رسوم المستشفى الخيري,
يداها فوق جبيني كالدرع,
هل الشعر كفيل بمقاومة خراب الدلتا؟
بدن بكر ينتفض على العتمة كالرئم,
المعمار الريفي تهاوى في مهج الريفيين,
اصابع عاشقة في شفتيّ,
يموت الطفل المنذور على ساقية في الروح,
الكادر يفصح عن تكوين قتيل يتعلب بحقائب غامضةٍ,
وأنا أرمق شهواتي السيارة تمرق من رئتي إلى رئتيّ,
وفي الردهة أفلت أسراي وأمشي صوب خيالي.
كان الأفاقون المرحون يغنون بليل مرح:
نحن الأفاقون المرحون,
تقول: البني بعينيك خفيف هذي الساعةَ,
وتنام,
خراب الدلتا في لقطات موجزة,
ورءوس تتحرك في الاعتام الجي,
النور يضاء بلمبات سوداء,
ونهداها يرتجفان:
دراما سيدتي أعلى.

اسكندرية
الأماكن مقذوفة في الفضاء,
وعابرتي تشرح القوس للحالكين,
ترى في التماثيل صحوا يرنحها في الطريق,
فتدفن في دغل صدري الموانئ,
تبكي بكاء المدائن إذ بنيت فوق طابية,
         وتخبئ في جعبة أم كلثوم,
         ثم تبينها حين يصحو المتيم,
ليس على البحر إلا المصائد.

سرطان
يستأصل خفق خفقا
تنداح خليات مسعورات في أكباد مسعورات,
تهوي مدن في  الروح ومدن ترقى
يم لطام وحطام
والناجون يرومون جمال الغرقى.
بوابات أوسع من خطواتي,
وزفير أبطأ من ذوبان عظامي في آنية,
هذا السرطان الفتان تسرب للعمر المفتون
            بقفزات لينة وقصائد من دعبل,
كيف انتخب الأضلاع وحط على ممشاتي
مرتجلا كالطاووس المطعون؟
           وكيف أدل عليه الآباء؟
أمامي بوابات أوسع من صرخاتي
وزفير مفروم بين المشرحة وفعلن يترجرج
وعلى أعمدة سريري كان التقرير يقول:
        السرطان الفتان دمي.
وبقرب كريات مفلوتات يستأصل خفق خفقا
والعشاق الغرقانون يشيلون على الأكتاف العشاق الغرقى
يم لطام وحطام تخرج منه النرجسة الأنقى.

الفوشيا
ليس الأزرق والأحمر بغيته,
لكن البحر وعين القطة وصراخ الغزلان
       بقاياه المنثورة في الطرقات
ليس هو الوردي,
الوردي حيادي يخطف فرحته من تلفيق فتات الفرحات
وهو المنحاز لآيدي النحاتين إذا تخلعه بالنون
           عن السر المكنون بأبدان المنحوتات.
ليس يعرف بالنفي,
             وليس يوصف بالإثبات.
هو همس المرأة للرجل: تعال,
وهمس الرجل إلى المرأة: آت.

بردية
كان فراعنة بسطاء يهيمون على العشب الأبيض,
والسيدة المتميزة تبص على المصنوعات الأبدية
                                            برفاهية,
وتداري الجسد البشري عن الكوة في جدران الأهرامات
             بخبث فطري
لتميل تجاه مراوحها المتبوعة ,
بجلال اللبؤات المأخوذات إلى طيبة.
ليس على السقالين
سوى أن ينتشلوا الصوان إلى أقدام العاشقة,
لتصنع صومعة غلال من سنبلة المحرومين,
وتقضي رغبات ضحاها اليومي
      إذا صارت بمحاذاة بحيرتها الشخصية.
تتبعني عند دخول الشمس من الكوة, وتقول:
امش إلى الماء تر الماعز وعصا وثيابي.
سيدة متميزة تتحمم في الزئبق متميزة
وتصف الخلق وصيفات مرهونات بالإيماء,
وتسألني: هل عيناي كورق الليمون,
               وهل كالمدية ذقني الملكية؟
ليس على التوحيديين
سوى الجهر بوردة أخناتون,
وليس علي سوى الإصغاء لمحبوبي
وهو يكلمني من تحت التاج بهيمنة المعشوقين:
              أنا قلبي قن ببلاط قصائدك المحنية,
               فاضممني في صدرك يابن الحدادين,
               وخذ عمري بشروط الكهنة,
               رمسيس أبي,
                وأنا أمة سيدة في مركبك الفخاري.
انكشف المعبد,
تقضي رغبات ضحاها اليومي,
وتملك,
أختي المتميزة تجئ إلى على أكتاف الفنانين,
تفوح من الإبطين تواريخ الأسر الذاهبة,
فأهتف: في عينيك ممالك دائرة ومقاطع مرسلة
يا سيدة متميزة
تخفي الجسد البشري عن الكوة في جدران الأهرامات,
دعيني مشبوكا في هندسة الكرنك,
واتجري هذا الموسم في الحنطة وتوابل بدن المحروقين
            بمعصية
أنت وريثة حتشبسوت.

تحية
عمت صباحا يا رئة من نفس المحتاجين,
صباح الخير على كفيك تجسان جبيني
             وتضيفان الفكرة للمخلوقات,
صباح الخير على حضرتك المنشورة فيما بين النهرين,
استندي في الليل على الوادي,
             فأنا أكمن بشهيق الزرع الصيفي,
وعمت صباحا,
هل نمت عميقا كالفسقية؟
هل أدركت طريقة تشريح الأعضاء بلمسات من أنملة؟
يطفر من نحرك ورد بني,
فاتكئي في المشي على الشتلات وخوضي في,
صباح الخير على خصرك وهو يفر أمام يدي,
خذي الشاي بخفة خالقة
واستمعي للناي بأسلوب القدماء المصريين,
وعمت صباحا,
هل أمسكت الرابط بين المستشفى والنورس؟
هل زال القلق الليلي؟
                    ضعي تحت وسادتك ضلوعي
         لتنامي كالبيرق وتفيقي كالجراحين,
صباح الخير على كفيك الساخنتين هنيهة كنا بكريم,
أأسميت فؤادي السرطان؟
فعمت صباحا يا من أسميتك نرجسة متوجسة,
عمت صباحا لي,
      وصباح الخير علي.
                         (يناير – فبراير- مارس 1987)







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق