الأحد، 9 أكتوبر 2011

يوجد هنا عميان

يوجد هنا عميان
حلمي سالم
(2001)


رفع العيون من الجثث
مادة
لمسةٌ بسيطةٌ في عصب التذوق قادرةٌ علي تحويل الكتل إلي مرئيينَ، لتصير أطرافهم علي مناضد التشريح مادةً لبحوث خلق الرغبة. وما إن يستحيلوا إلي جُسَيماتٍ حتى يصير كل جرحٍ تحته جرحٌ، يزاولان الولعَ بالتعايش.
البحيرة
هي مثل كل البحيرات زرقاءُ، وهي تصون ما تبقي من فلول التجارب، فلماذا تتوقع أن يصعدَ من مائها كاتمُ الصوت؟
خذْ جرعةً أخري من النبيذ لعل تنحلُّ عُقدةُ اللسان. يمر الخاطر فتستعيد البحر الميتَ، حيث القدس علي الجانب الآخر من الماء، بينما الثدي الذي كانت صاحبته تدهنه برحمةٍ هو عينهُ الثدي الذي تشهّاه أوديب، فلا تظنَّّ أن للديانة صلةً بالأثداء حتى ينجحَ الشغُّل. نعم أنتَ لا تكره العبرانيينَ برغم المشكلة القديمة التي لخصوها في: هيت لك، فانظر إلي البحرة بزاويةٍ منفرجةٍ، وإذا طافت بكَ المصريةُ التي قالت: «لو وجدتُ الرجلَ الذي يعوضني عنكَ لاشتغلتُ له خدّامةً» ،فأنتَ في أمانٍ.
كلود مونيه
بجلافةِ الذي لا يحسُ التصرفَ أفلتت مني فرصةُ أن أكون واحداً من النيتشويين الخُلّص، فأمتلكُ قوةَ نسيان الماضي بنظرةٍ من الطرف. لو أن معي المفاتيحَ لأجلستُ شقيقتي في موضع قطعةٍ من أعمال مونيه، في المتحف الذي أغلقوه علي حاملي التذاكر، ولا نكببتُ علي درس أفعال أصابعها بما يتيح لي استخلاصَ بعضِ التباديل: حزام العفة وحزام الفقر وحزام الديناميت، عسي كنا قبضنا علي الناقص في أحشاء المدن.
درسُ أفعال أصابعها هو التعويض عن فقد نيشته في أول العمر.
وصلنا إلي نقطةِ التراضي وقسّمنا العملَ: أنا علي الإضافةُ وأنتِ عليكِ الحذفُ. يستحبُّ بعد ذلك أن نترك للزمن هَوَسي بأن أراك في كلّ اسكتش. فإذا سالَ مصهورُ الذهب علي شاشة التليفزيون نكون في حصانةٍ من اقتصاد الدَّجل.
علي
سنعطيه فرصته العادلة لعله يكتشف أسلاكاً جديدة في حوار الحضارات بين الدولة التي دفعت أعمامه إلي آخر الشمال وبين بنتِ جبيل التي غنّي فيها خاله الفولكلور علي الفيديو. وإذا كنا نظن أن صاحب نهج البلاغة ليس عضوا بحزب الله، ولم يطلب تأشيرة إلي بلاد الخير، فلا داعٍ لأن نسقيه ظننا مع دواء الربو، حتى لا يخيب سعينا في أن نكون عكس ما ربانا عليه الآباء.
محتمل أن سمَّيكَ الأعرابي- الذي حذر الأصدقاء من أن يحاججوا بالقرآن - كان فلسطينيا من سكان 48. وطالما أن الأهل هم الذين يجرحوننا بينما يطبّبنا الغرباء، فلن نفرض عليكَ الهواجس التي يقتنيها رعاة الماعز.
بعد سنوات ستذهب إلي شيكاغو ، وتستطيع بعينيكَ وحدهما أن تقارن بين العملاق الزجاجي وبين بيت الدين. ساعتها يمكن أن تقرر: ما هي السعادة؟
أصل العائلة
كنتَ من الحُريين في كلية الاداب ومتّهما بتحريف الثوابت في جذور أصل العائلة، فكيف ارتجفتَ حينما قالت لك الفتاة «أنا من إسرائيل»؟ مع أنها دقيقة الحجم مثل اليتيمة التي تركتها محاطةً بقصاصي الأثر: رُبع زهرة البستان أمامك: فنعّمْ استقبالك العدوان برفعة من ثقّفتهم الأحداث. وحين تقوم المحاليل بدورها في تخليص التواريخ من التّدبُّب، سينبغي عليك أن تري البحيرةَ زرقاءَ، ولن يصعد من مائها كاتمُ الصوت. وفي كرنفالٍ حضاري كهذا، فإن وجود جثث للذين عادوا في التوبيت من سيناء لن يكون في صالح الإيقاع. هل تريد أن تكون خارج التابلوه؟
الحب الذي كان
ربما نعرةُ الفخر نفختْه مرةً فأعلن أنه قادم لتحطيم زبائن السلطة، لكنه الآن يقدم لك حمّالة البنطال من ماركة فؤاد المهندس، ويتخلي لك عن مستطيل نومته تحت النافذة. فماذا يضيرك لو كبَّرت مخكَ وأدركتَ التغّير؟
يدعوك ألا تندهش من تدلُّل الإسرائيليات، ويرجوك أن تري الحرب ورطةً تجاوزها الجميع باعتبارها الحب الذي كان. المدينة شدّته كالشّفاطة فلامني علي محبتي لأحفاد شوقي، واحتج علي استعادة الخواطر الحساسة من قبيل بحر البقر، شارحا لي معايب العقد التي لا تراعي تقلبات الجو.
كلما أؤغل الليل أمسكنا التعارضَ: هو لا يري علاقةً بين المؤخرات والأيديولوجيا، بينما أومن أن عيون حبيبي مستوي في المواطنة. وفيما يظن أن طعنَ الأب شرطٌ للاستيقاظ أرجّح أن السلامَ صعب، وأوقن أن الذي بين فخذي حبيبي ليس إلا ثلاثين عاما من قهر: صُنع في مصر.
أكورديون
نعفي أنفسنا من تمرير الغصن الأكثر رهافةً، مستبدلين نهارنا بواجب أَمَرّ: أن نعامل الشروخَ كآلة أكورديون، ونحن مرغمون علي اقتراح هوّةٍ بين الكتابة والرقص. وفي مثل هذا الظرف ينبغي أن نفكر بحكمة فيما سنفعله بمشطي القدمين.
الطريق 94
أنتَ الذي كتبتَ شعرآً من أجل زوال الهيمنة، فلماذا تحدّق الآن مذهولا في ماكينات شرب الشاي، وتتذكر صاحبتَك كلما نط قلبك من رعب الطريق 94.
سينفذ اليساريون من هذا الخُرْم، أولئك الذين تعلموا في منظمات الشباب أن خطوةً للأمام تعقبها خطوتان للخلف. خمّنْ الإله الخفي الذي يسند هذه البضائع، فلا نجاة لك إلا باستحضار الحبيب: يهبط من المدخنة، وتتجولان في شوارع السود، وقد خبرتَ عطفه علي ضحايا النبذ، تضمه برحمة الذين رقّقَهم اللهاث، ثم تنظّفان جِلدَكما بالدشّ.
بمثل هذه الحلول سينفذ اليساريون من الخُرم، لأنهم سيعترفون أن الواحديةَ جرثومةُ القلب.
العيون المسموح بها
لماذا لا يوجد هنا عميان؟ الهيئة أن الله لا يحب هذه المخاليق، فلم يعطهم العاهات التي تدل علي وجوده وعلي إمكانية العفو. ويجوز أن التقدم في سلم الصناعة عاملٌ مؤثرٌ في نسبة العماء بين الأفراد، لأن قلة الحروب النسائية علي منْور البناية تتدخل بالسلب في طبيعة الإصابة. ويبدو أن قدرة الطب علي تحجيم نتائج الحوادث لها علاقةٌ بكمية العيون المسموحِ بها، لاسيما إذا كانت المصحاتُ نشيطةً في جعل الناس المسرعين لا يعترفون بالبصيرة.
ثمة احتمالٌ واحد لم أقاربْه، وهو أنني الأعمي، ولذا أحسب أنه لا يوجد هنا عميان.
إصبعان في الكف
كان في القطاع نفسه، وربما في الطائرة نفسها التي قصفت موقع النديم وسبَّبتْ بطأه في تقليب الشواء، إذ لا يستطيع المرء أن يمسكَ السيخَ بإصبعين في الكف.
يا ولد: لعل هذا هو التفكك. فماذا تفعل بنفسك إذا كنت لا تزال تصنّف الذي كان علي الضفة الأخري في خانة العدو.
أمام طائر النحاس الذي أقامه بيكاسو كنتُ مغلوبا بآلامه أفكّر: كان يتعين أن تديمَ النظرَ في عينيها، لعلك تجد انكسارا يجعلك تصدق أنها هاربة من التجنيد في جيش الله المختار، فتفهم بيديك أن السرير ليس عنصريا.
تصغر الريبةُ كلما امتدّ الكلام، فإذا بحجرنا عامر ببعض التجانس، كأن نري أن إنقاذ امرأة جميلة من ربقة الأوصياء مسألةٌ ضرورية لمستقبل الطلائع. وعندما صارت مدينة البنوك في الوراء، أيقنتُ أن زوالَ الغشاوة كافٍ لنظافة الجرح.
ترجمة الشعر
أعرف أن زوجته انجذبتْ إلي نداهة الفيمينزم، وتركتْه يداعب التلميذات اللواتي يشدّهن سحر الشرق. ربما إحداهن التي تعدّ لنا الأرز بينما فخذاها يقطران عَرقا من حرارة المطبخ.
لم يشكُ من ساقيه، لكنني أحببته لأنه كان فظا: ليس في وطني مكان أمارس فيه شغلتي الوحيدة: التعليم. ألم تلاحظ تحول المدرجات إلي مساجد وتحول المساجد إلي غرف عمليات؟
كنتُ أود أن أحتضنه علي الطريقة المصرية، لكنني تركته علي كرسيه المفضل، يفكر في مرادفٍ دقيقٍ لمصطلح: اقتصاد المرايا.
إنديانا
خلف بابها قامت جماعة الشعر قبل أن يحدث انتخابُ الطبيعة ليجعل العشاق في جانب والأذكياء في جانب. فما الذي حدث؟
استعارت المقهي اسمها من هذه الغابة التي اغتصب فيها الملاكمُ فتاةَ الغلاف، وجعلتْ كراسيها مسرحا لأقدم نظرةٍ علقتها اليتيمةُ علي رأس الشخص، لتستنفر غيرةَ المطلقات علي البيوت الملك.
ماذا فعل أهل الدقي؟ ملأوا الاسم بالحرارة والكوارث، حيث تمت فيه اتفاقياتُ تشطيب المباني، وأُرسلت غمزاتُ تسهيل المتع.
بينما الملاكمُ السجين يختم القرآن بالإنجليزية ويعدّ نفسه لاستعادة عرضٍ طيرته الفضائح.
يقتضي التوجهُ التراثي أن ألوم أهل الدقي علي أنهم لم يختاروا لمقهاهم اسما ينبع من تراثنا، مثل: نادي رهين المحبسين. وتقتضي الصحة النفسية ألا نكون من هواة الشرانق، فنظن أن الدفء لا يوجد إلا في مكان تدوسه أقدامنا نحن، فغمزاتُ تسهيل المتع مكسبٌ بشري حصّله الجميع من تراكم الجهد، بدون فضلٍ لعربي علي أعجمي.
الدقي هو الأصل. آه لو كنتَ معي نختال عبَره.
جرين كارد
هل تعرف شمس البارودي؟
بادرني عبد الله بالسؤال، لاعتقاده أن مصر كالبنيان المرصوص.
أنكرتْه أسرته بعد أن رتّبت له العروس برفقة الجرين كارد. ذقنه غير الحليق ينمّ عن أن ناسه مستورون، وأنه اختار النشاز علي التجانس، حيث أن تشذيبه حشيشَ البيوت مهمة لا تليق بالوجوديين الأوائل.
خلافا لإمكانية المغترب كانت لعبد الله ضغينة مع القوة 16، عندما آمن بأن المؤسسات قامت من أجل اصطياد مواقعه، لتحرمه من أن يكون علامة عربية علي قلة التكيف، حتى يكون في الأفق متسعٌ لتحقيره.
عبد الله محترمٌ في نفسه، يضم كل ما يملك من ملبسٍ علي لحمه حتى يكون مؤثرا حين يتحدث عن تورط البيت الأبيض في حادث الأم التي دفعت بطفليها إلي النهر كي يخلو لها وجه المحب.
ليس عند عبد الله وقت، لكي يعود إلي صيدا، يزرع قطعة الأرض ويفتح الدكان، ويتلقي آخر
الأنفاس من صدر أمه.أمه التي تظن في احتضارها أن عبد الله موشك علي إتمام الرسالة. وحينما بان ما بين الأصابع كان واضحا أن وقته ليس ملكه لأن بوليس المطارات في انتظاره.
مصر ليست كالبنيان المرصوص، بما يسمح لي أن أعرف شمس البارودي عدا اعتزازنا بفخذيها قبل هبوط الوحي، علي الرغم من أن بوليس الولاية يعطي لعبد الله حرية التجول: في الجراجات التي تفتح أبوابها ذاتيا، وفي مطابخ الناس الأكارم.
عبد الله حزين بحق، مع أنه ليس له في الأسّرة، ولا يحب محطات البنزين ويكره ملكية البيوت أو استئجارها.
التحكم عن بعد
زوجته التي انتظرت خبرا عن حياته أضافت إلي رصيده بنتا يربيها الكنديون في مراكز التأهيل، ورفاقه الذين صاروا في هيئة الحكم أسموه الشبح. الرجلُ الذي دفعتْ به الثورة إلي تجارة الحلويات كان له عدو، فعذّبه نسورُ الردع وحراسُ سورة التوبة. باح لي أنه مازال عنده الكثير ليفقده، وأنه حائر في اسم شركته الجديدة هل يكون : جاتوه نابلس، أم: القدس للحلويات؟
أغلقت المدارسُ أبوابها، فلماذا تراودك من حين لحين كلماتٌ من نوع: كأننا عشرون مستحيل؟، وهو قد حدثك ليلة الأمس عن تفكيك الثورة بآلة التحكم من بعد، وعن ميله الفطري للزنوج مع أنهم كادوا يقتلونه من أجل ربُع.
فورست جامب
حديثه عن صنوف الأحذية مسَّ عمرها فتذكرتْ الحذاءَ الذي اشترته ليلة الأوبرا، تقليلا لعنصر التنافر. لم يكسر حديد الساقين إلا حينما هاجمه الحب والعدو. فعرفتُ لماذا أحبت شقيقتي هذا الشريط الذي يعلم المشاهدين أن الحذاء مرآةٌ للنفس.
ظهرت مؤخرته أمام كل رجال الرئيس، فهل يمكن تجاهل الصعق المركّز الذي تركتْه مثل هذه اللذائذ علي فتاة تشمئز من التكرار، ويأبي جسدُها إلا أن يتم نوره؟
أخذوا للحرب هذا المهمّش الذي يأتيه التفوق كرها، فجذبته القنابل لأنها كانت بالألوان الطبيعية. ولابد أن هذا الخط هو المسئول عن شكّي في أن الريشة التي طارت في الفراغ هي حبيبي بعينه.
بقلاوة شاتيلا
أنت تعرف أن ثمة أزهارا للتكريس وأخري للقتل، حيث أن الوحدة العضوية بين أسماء المحلات وبين الشعارات قديمةٌ. لكن جينيه اللئيم سوف يلاحظ أن إعلان المحل يجسد الاتجاهات الجديدة في الأدب: كالمفارقة، وتحقير القيم، وجعل القضايا الكبري شُغل العواجيز.
نؤمّن الشحن إلي جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية، علي الرغم من أن صاحبه مريض بسرطان الحنجرة، فيا صديقي اللص جينيه: عنقود العنب الذي وضعتَه في سروال الرجل يعني أننا في احتياج إلي عتلة لنرفع العين من جثتها.
حرية الرأي
ليس لدي مرارةٌ تجاه أحزابنا العربية، لأنني أقضي يوميتي في زراعة الطماطم. كنتُ من قاطعي الأنابيب عام 56، وهذا ما جعل مخابرات الولاية تسرق ملفي من نقابة الجزمجية.
ليسوا متقدمين عنا كما يشيعون، ففكرة الجنس بين الرجال شغّالةٌ عندنا منذ عهد الخلفاء، فلا تؤاخذني إن وجدتني عصبيا لا أتورع عن اتهام ابنتي بالشرمطة كلما تطرق الحديث إلي حرية الرأي.
هَزُّوا الثقة في النفس، رغم أنني خبرتُ الخمسين ولاية، وآمنتُ بالبعث من باب العشم. فلنزاول بعض الخسة لعل تعذيب الروح ينقذ البقية الباقية.
أقضي يوميتي في زراعة الطماطم، وأثق أن زراعة الوطن لها ربٌ يحميها . لهذا تراني هادئا، خاصة بعد أن نجحنا في امتلاك جبانة تخصنا، هنا.
الكثير من أسمهان
وددتُ لو حكيتُ له عن انجذاب حبيبي إلي أسمهان، كنموذج علي الانحراف الذي يأتي مع اللمح، تاركا خدشا علي الوجه. عيناه غامتا بالطفلة التي يعذبها الله عمدا، فلا قدماها تكفّان عن رغبة التحريك، ولا أطفالُ العائلة يصعدون للجنة.
حبيبي به الكثير من أسمهان، وخاصة: الحياةُ علي شفا الجرف.
لكن الرجل الذي دفعت به الثورة إلي تجارة الحلويات حكي أن المخابرات لم تمانع في دخوله، حتى لو كان يحلم بسلطة القطاع في كل متجر يصرّف فيه البضاعة.
صامت بعض الليالي، وخاسرٌ بعض النهارات. وبين هذين كان يعزّي نفسه: سجلتُ صراع الفصائل كله في مذكرات . ثم ينهض كي يرتب الكراتين حسب الماركة المسجلة.
فورد
عندما أهدي سيارةً كلاسيكيةً من إنتاج مصانعه إلي مدخل الرينسانس حصل علي التمثال الذي يذكّر الرواد بأنه راعي الإنارة، وحين خصّص مكتبة لطلاب المعارف كان يدرك أن ساكني المدينة سيرونه مؤسّس السرعة، فلا يلاحظ الفنيون علاقة بين رموشهم والتروس.
منذ خمسة وثلاثين عاما، كان اسم عبد الغني سالم مخطوطا بالدوكو علي باب اللوري العتيق . الذي ظل سائقه يسرق إيراده يوميا، حتى أضاف للاسم: وشريكه. لكن اسم عبد الغني سالم كانت تزاحمه حروفٌ نحاسيةٌ أجنبيهٌ باسم الرجل الذي أقف الآن في جوار تمثاله، وفي عيني الليالي التي كنتُ فيها ألعب خلسةً بالكلاكس.
فم المرء
الشقيقة التي أراها غير العمارة التي أراها، فإذا حاولوا صب هذه بتلك، لماذا تضطرب أنتَ، وأنتَ تعرف نسبية الفشل؟
أنت تخشي أن تكون حصيلة المضاهاة ضارةً بالذي لو شُغلتَ بالخلد عنه. أولآً: قل الروحُ من أمر ربي. ثانياً: النزاهة تقتضيكَ أن تري تحريكَ البنوك بالخيط قسما من حوار الشرطي الذي يناقش المومسَ في شروط عملها، بغية تحسين آلة الرعب في فم المرء. إذن يا حبيبي لا تخشَ المباراة، فالمؤمنون خارج المنافسة، وهم مواظبون علي الدواء الذي يخمد شهوةَ التمييز.
الحمد لله. الحمد لله.
شيكابيكا
الآخرون الذين خانوا الرحمة، الذين جاهدوا بصبر حتى تكون لكل نفس مصيدتُها. الذين جهّزوا زراعة القلب. هم نجارو الباب الغرقان، وصانعو التواليت الذي سنشخُّ فيه مزيكا، كما قال درويش.
الخرتية جيراني، وعليه: فالنصابون معذورون لأنهم انجرحوا سلفا يوم سلَّموا العشمَ كله لفنانين يرسمون بعون اللّه كيف تنهار العمائرُ علي طريقة السينما.
ليس صدفةً إخفاقُ بعضنا في أن يتبرأ من حاضره، إذا ما كان الأخوة يفضلون اللحظة المهينة للظهور علي الخشبة، لكي يتركوني أخسر قناعةَ الرسامين بأن كيلو من اللون الأخضر ليس أكثر اخضرارا من ربع كيلو.
(متشجن/ القاهرة/ 1995)
********************************************************

صعوبة أن تكون رومانتيكيا
ليس لعينيكِ بدءٌ ولا ختامْ
تمامُ عينيكِ نقصٌ، ونقصُهما تمامْ.
النارُ موجودةٌ في جوار الكتف ، فلو أن لأحزانكِ بابا لابتدأتُ،
ولو أن لأحزانكِ أسهمَ الخرائط لانتهيتُ. كيف لا يحسنُ
الشعراءُ المصريون الحديثَ عن المتاهة؟
طيرٌ أقربُ للماءْ، طيرٌ أبعدُ من سطح الماءْ، طيرانِ التحما، تحتهما ينفعل الماءْ. سين: كيف تصير أمرةٌ عبدهْ؟، جيم: لو قرأتْ أورادا في الركعة وتجلي وحشُ أظافرها في السجدةْ. سين: كيف سيغدو الرجلُ إلها؟، جيم: إن مسحَ الجبهةَ في باطن قدم الطفلة وتولّي عنها الرقصة وتولاها.
أنغامُ المدن الساحلية لها وطأةٌ ، فلماذا لم تخلعي حلمتيكِ وترسليهما في حوالة علي القسم الثقافي؟ ربما لو فعلتِ كنا وفرّنا المشاويرَ إلي عيادة المقطم ووفّرنا الكرسي الكهربائي الذي جلستُ عليه في سنوات النضج. لا بأس، لنفترضْ أن الحوالةَ تأخرتْ ثلاثةَ أعوام - هذا يحدث في هيئة البريد - وها أنا المطرودُ استلم الطردَ، فلماذا تستيقظ حلمتاك كلما عرَّج الكلام علي سيد عويس؟
ستعلّق امرأةٌ جوارحها علي سقف المنازل، ثم تمضي في مباخرها لقومٍ صالحين يقدّمون السُّم باسم عصير مانجو. شاءت الدنيا وما شاءت يكونْ.
أريد أن أكتب شعرا لعينيكِ، شريطة أن أتفوق فيه علي تشبيههما بغابتي نخيل ساعةَ السحر، وألا أكرر أنهما خانهما التعبير حتى ظلتا كما هما. أعلم أن ما أريده شاقٌ علي. وحتي إذا استطعتُ فسوف أكون حينئذ شاعرا غنائيا، وهذا ما أتحاشاه منذ عشر سنوات. وهبْ أنني تجاوزتُ الكبارَ الذي سبقوني (وهو واردٌ بقليل من التفاؤل)، وأنني قبلتُ أن أكون رومانتيكيا لبضعة أسابيع (وهو ممكنٌ بقليل من إهمال الواجبات الحداثية) ساعتها ستواجهني المشكلة الأمُّ: أن كلَّ الأوصاف التي سألصقها بعينيكِ سوف تظل مجردَ شرحٍ لعينين تستعصيان علي الشرح. الأجدي إذن أن أنقّط اليودَ في هاتين العينين نهارا كاملا، وأن أفتحهما علي الآخر لحظةَ انفلاق البويضة، لأبلع ما ينزُّ منهما من فائض العمر. هكذا فعل بيكاسو: قضمَ التفاحةَ بين شدقيه تاركا الرسامَ البائس يخلط الأحمرَ بالأزرق في دائرةٍ من فلقتين.
رِتمٌ يثير الدمعَ في عين الفتي، وهنا تصير جروحنا بدءَ العبادةْ.
أنتِ اقترحتِ نقاوةَ الغيب المطهَّر واحتضاراتِ الشهادةْ. هاتي مناشفَكِ البليلةَ من علي سطح المنازل، علّنا نحتاجها لنحوكَ منها للجنين منمنماتٍ في الوسادةْ. أنتِ الوليدةُ من ضلوع الصبح في، وكلُّ صبحٍ في مآسينا ولادةْ.
كنت تقرأين المحاولةَ رقم 7، فبدا الأفقُ أضيقَ من كلية الطب، وتوهجتْ الشفتان بكل ما يجعل القلبَ طائرا. لستِ مدانةً فلم يكن بمقدوركِ أن تشدّيه من لجامه، وليس مجرماً فلم يكن اشتري الحصان الأبيض. ينبغي أن نستريح قليلا من العزف المنفرد، ليصبح كلُّ كل تركيزنا الليلةَ علي الطائر.
أنتَ الذي تحتي، وأنا التي تحتَكْ. ارقب تحوُّلَ جبهتي، فأنا أزاولُ صحوتي من جرفكَ الأشلاءَ في أحشاء أعوامي، وتشهد صحوتي كحْتَكْ. أنتَ الذي تحتي، وأنا التي تحتكْ. سيوثّق الفانونَ حرثَكَ في أراضي الجوع لي أو يكشف العشاقُ فحتَكْ. أنت الذي تحتي، وأنا التي تحتكْ. يا ليتَ للمحتاج فقرَ يدين فيكَ، وليتَ للشهداء سُحْتكْ. فاحفرْ علي ظهري حوادثَ حزننا، واتركْ علي الحقوين نحْتَكْ. حلمي الذي تحتي، وأنا التي تحتَكْ.
تفتقر حياتنا إلي قصيدة عن الصوت، وليس من أحدٍ ليكتبها سواي. غير أنه يلزمني حينما أواجه البياض أن أتفادي صنعَ علاقة بين الحلق واللسان وضمةِ الشفاه. وإذا جلستُ منفردا في مقهي بلدي أفكر في مدخل للكتابة، سيكون ضروريا أن أزوغ من الحديث عن الفوناتكس كلما نطقت المرأةُ الكاف، سواءً كانت الكافُ في أول اللفظ أو في آخره. فأنا منتبه إلي أن ذكرَ مخارج المفردات من أشهر الألاعيب عندي. لن اهتم بقلة الخيارات التي ستبقي لي بعد كل هذه الإقصاءات، فقد عينتُ التيمةَ التي سأبني عليها شعرية النص: سأركز علي ما في الصوت من نبرة العزلة، والاضطرابِ
الذي تثيره هذه النبرةُ علي وجوه الجرسونات. منذ ليلة البارحة وضعتُ عنوانها: الحطام. ولم يبق لي سوي أن أسد النقصَ الذي تعاني منه الحياة، مستبعدا سطوة الهمهمة علي أذني.
أخفيتِ بطنكِ بيدكِ اليسري حينما نهضتِ نصفَ نهضةٍ للسلام علي بعدما رفضتِ الاشتراكَ في السخرية مني كما أوصاك الزملاءُ غير المشوَّهين. حسنا صنعتِ بإخفاء بطنكِ، فربما لو رفعتِ يدكِ اليسري كنتُ رأيتُ طفلي الذي سيخترق هذه البطن بعد ثلاث سنوات، ونزعتُ عنك الجوب مقعيا كالجرو ألحس ما سوف يسيل بين فخذيك من آثاري عندما سينتهي الطبيبُ من جريمته. لو جري عكسَ ما جري كنتُ خسرتُ الأصدقاء، وتسببتُ في فضيحة للجميع. لكن الآن جري كل شيء علي ما يرام: خسرتُ الأصدقاءَ، وخسرتُ الطفل، وتسببتُ في فضيحةٍ للجميع.
توحشني في الليل أصابعُ قدميكِ مخمّشةً عنقي وضلوعي اليسري وحشاي. في أول لحظات الحلكة أفتقد تراتبَها الشاذَ ورعشتَها إن بللّها عَرقي أو مستّها شفتاي. في آخر لحظات الحلكة أفتقد غرائبَ حركتها وهي تقلد طوراً ديكَ الجن وطورا تتمثل فعلَ الربّ إذا مرّ علي الأمشاج فكانت خلقا: من طيني وعظامي وحصاي. ثم تدوس علي السجادة في خفة وعلٍ صيدَ حديثا، عكسَ خطاي: فخطاي خطي وعلٍ صيدَ من الأزل ومزجَ نزيفَ قوادمه بدماي. أو تتأرجح بفضاء الغرفة ساعةَ تغدو السيقانُ حدائقَ بابلَ علقها القدماءُ بخيطٍ لا تلحظه الأعينُ ليس مسنّدةً إلا بنداها وهو يخضُّ نداي. عند الفجر الشاهد ترتسم أصابعُ قدميكِ علي الجدران فأمتلكهما وأنظّف بطنَ العُقل من العَرَق المتخلّف عن طول اللف وراءَ الناي. وحين أدسُّ الأنفَ المستنشقَ بين السبابة والإبهامِ أحلّقُ في الروح المتهشم جوّاي. وأعود لتوحشني في الليل أصابعُ قدميكِ مخمّشةً عنقي وضلوعي اليسري وحشاي. وتعذبني في كل اللحظات يداي.
تحت ختم السرة تماما هناك رأسه العاري لم تصبح له بعد تسريحةٌ. تحت شَعر العانة تماما هناك قدماه الدقيقتان بالكعب في حجم رأس دبوس. وفي المسافة بين الختم والشَّعر هناك عموده الفقري، هلامي، لكن له صلابة ظهر الأب. والسخونةُ التي تضرب المنطقةَ كلها هي المناخ الذي يحتمي به في وحشته. أما الدم الذي ألعقه كل شهر بفمي فهو غذاؤه الذي يسرقه في الرابعة فجراً، حيث أنه لا يحب البسبوسةَ، ولا يقدّر البيض.
ستنام قافيةٌ علي ساقيكْ. وتشير في حلم إلي: تعال يا شجنَ الهوي، فأردُّ في شجن الهوي: لبيكْ. ستقول : ما تعطي لمبتلّ؟ وأجيبُ: أيكْ. يا ليتَ لي كفيكْ، لمشيتُ في رفقٍ علي، مشيتُ في رفقٍ عليكْ.
الدواوين مليئةٌ بشعر الفراق، وعبد الحليم حافظ لم يترك معني في الفراق إلا أتي عليه، فما الذي يستطيع أن يضيفه الإنسانُ المعاصر إذا أراد أن يجسد الفراق بصورة تخلو من تكرار الآخرين؟ سيكون عليه أن يهرب من مسألة كل شيء بقضاء، إضافة إلي نسف: يا أيها الليل الطويل ألا انجلِ. إذن يتوجب عليه ابتكار فراقه: كأن يسبَّ حزب العمال باعتباره أحد أشكال الفراق في تاريخنا الحديث، محاولا أن يقارنَ بين القسوة والضعف كنوع من إقصاء التراجيديا عن الحدث.
عندئذ سوف يسطع المأزقُ: حين يستبطن الذات سيجد أن لقطةَ عايدة وكمال عبد الجواد هي التي رسمت فراقاته السابقة، بحيث يغدو كاذبا إذا قال: «لن استطيع احتمالَ ريبة الطلائع» لأنه سيكون حينها غارقاً في النهي المشهور: لا تودّعني حبيبي.
ربما كان علي المواطن المجدّد أن يستسلم لسلطان الفراق مداريا عجزه بالإشارة إلي التناقض المقصود بين النص والشخص.
ستخدمه عندئذ فكرة موت المؤلف، فإذا رأي المحبينَ يفترقون أمامه بسبب السياسيين الذي فشلوا في النظافة، استطاع أن يحسّن وضعه السيئ باستدعاء الجمرة التي تشتعل بين ثياب محبوبه كلما اتفقا علي أن يكون الوداع مميزا، بغية أن يليق بعاشقينِ يحترمان تلبُّدَ النفس.
لأصابعها لا للحب، للأمومة التي تأهبّت شهرين تحت السوتيان لا لقوة الأفئدة، للكوابيس التي يظهر فيها الآباء جبارين والأحباءُ خونةً، لسيادة التراث علي مفصل القدم: هذه الشهوةُ التي اسمها الأيام.
(يونيو ، أكتوبر 1996)
********************************************************

أجمل مريضة سرطان
راحة اليد
قليلٌ من الحب، قليل من العنف. راقبتْ قميصهَ وهما يوقفان سيارةَ الأجرة، ففاجأه دفءُ راحة اليد حينما ضربا كفّا بكف.
التلميذ
لو أن الجوّالة مشوا في دهاليزه لشاهدوا التلميذَ مقرفصا يتلقي أولَ الحصص. ولو أن المرأةَ عزلتْ حلمها عن مداره المذل، كنا منعنا انتهاكَ الصدر واتقّينا تعفنَ المعرفة، فينكشف الغموضُ بفعل لعق البن من قعر فنجانها.
الرهان
في آخر الفصل كانت بنتٌ تقشّر جرحها عن جفافه، وتعرف أن الرهانَ الذي كسبتْه هو أنها كوَّنت بجهدها عينين أوسعَ من المصنفات التي تُكتب الآن فيهما. تجلس البناتُ خلف حائط المدرسة، يعاقبن أنفسهن بجريرة الارتفاع عن مستوي الشبهات. ويهتفن بروحهن التي لوثّها البرابرة: لم يبقَ ما نخسره.
التلميح
أحسنَ التفريقَ بين مراحله منذ علّمتْه أن الآباءَ خطاءون إذا ظنوا أن ركبتيها تستحقان الإساءةَ. وعندما سألتْه: هل أكلتَ فطيرةً في النجع؟ استعاد تحذيرَ الروائيين من خطورة التلميح، حيث لا يستطيع أحدٌ أن يمزحَ مع الاستعارات.
كل هذا السواد
بسيماهم يعرف المجرمون. والمرأة التي خلفها تراثٌ من الذي بني مصر شدّها الأطباءُ برشاقة أصابعهم علي البطين، مع أنها لم تتوقع هذه الصفوفَ من المشارط موزعةً علي أبواب البيوت.
كان غاضبا من الزيف ومشغولا بالطريقة التي سيرجو بها امرأةً أن تكرم عينيها من أن تنظرا بكل هذا السواد، طالما الاحتراق كامنٌ في فكرة الشمع.
حمص الشام
وضعَ حقيبته علي كتفيها ليبرهن للممرضات علي أنها ميتنةُ البنيان، فانفجرتْ قهقهاتها التي اختفت بعد حقنة الهواء. لابد أن نشك في الصدفة كلما هبط الملاكُ في بابل. وما يعرفه أن حمص الشام كان في انتظارهم بعد الكشف.
الطيران
ضاقت الحلولُ إلي دائرةٍ تعلَّمنا بداخلها أن الجسدَ ليس زخرفةَ الصنائع. الاقتراحُ الآن هو الطيران إلي الجهة الأخري من الملعب. هناك ستهنئ امرأةٌ عاملةَ السنترال علي جمال قرطها أثناء حكيهما عن التأقلم، وهو ما يشي بأن الجراثيم ترجع القهقري، كلما ضلّت خط السير.
موسيقي الحجرة
تنيرها أحلامُها المتحركةُ، بعدما رأت بها أفرادا شعبيّين أضحكوها كما لم تضحك منذ أوغل شقيقها في الحبوب.
شعبيون حتى الرُّكب. خصوصا تلك التي صرحت بأن الصداع يجعلها تترنح كشاربة الحشيش. الاختناقُ في هذه الحجرة أيقظ عندها حاسة المزاح ، فقالت: نبدو كمن نسوا مريضهم بالمنزل. يلزمه أن يكون طبيعيا إذ سلتت امرأةٌ يديها من تجاربها لتجعل اللذةَ هي المحذوفَ من خطاب العرش، وقتما ينادي علي التاكسي وهما يبتعدان عن باب الطوارئ.
استدارة
دعاها إلي عبور النقاط السود باستدارةٍ خفيفٍة تجعل الأذي في الخلف. لفحتْها حادثةُ الرجل الذي «أشواقه تعطله عن أشواقه»، فتحسّستْ قطاعا من وجهها، وحسدتْ محظوظينَ رحلوا في أول العمر.
ألف ليلة وليلة
لماذا تكثر الأسماكُ كلما أنَّ رجل؟
فليخرج المصطافون عساها تنظف صوتها من التباس الحرف بالحرف. ويحسن ألا نخبر الأعوانَ بأن في قدميها فتي يختار لكل جرم سياقه. الأعوام ساهرون علي الخراب. فإذا بلغهم استردادنا أحبالَ حنجرتنا أطلقوا رصاصة الرحمة.
سوف يدخل غريب يلقنها أن الله في حِجرها، ثم يأتي بأفعالٍ مؤداها أن مياها كثيرة لا تستطيع أن تطفئ المحبة، حتى لو كان المرضي جاهزين للعمل.
عناصر الحرب
خطّتهما من اليوم: أن يمسرحا الماضي حتى يموت. وحينما يتم التمسرحُ فإن الانكسارَ المتوقعَ سيكون علاجه بعض الأغنيات القصيرة عن الصُّدف. لم يعد في الوسع أن ينطا الحواجز، بغيةَ أن يضعوا ذنوبهما تحت أرجلهما فيسيطران علي الرموز التي يمرّرانها تحت الكلام. دورهما - والحال هكذا - أن يؤصّلا الخوف.
خالهُ الصياد
طبعا هتافُ الصامتين مدخلٌ لاكتشافها معادنَ المرتزقة، ثم أن طيرانها يفصح عن رقعةٍ لم يقسها طبيبُ الامتياز، ولهذا أساءوا فهم هيامها بشفاه زميله المختبر. طبعا خالُه الصيادُ سيخطفها منه ليدربها علي لغة يكثر فيها الماءُ بين أنثي وأنثي. وسوف يرفض انكسارهما حتى لا يحدثَ التناقضُ بين العيون والعدم.
وفي الفجوة التي ستنشأ سينتحي بها إلي قاربه حيث السمكُ الذي لم يفلح ابنُ الأخت في اصطياده بسبب المهندمين الذين يستأجرون عضلات الآخرين.
تحريك الشفاه
حدّقَ الرجلُ في طريقة تحريك الشفاه فكاد يفهم أن كثافة الحواجب هي ما تسبّب ندرةَ الخضروات التي تقاوم الأنيميا، فعاودتها الغيبوبة عندما زاد البياضُ عن قدرة الآدميين علي احتماله. كان المناخُ كله يطردها لأنها لا ترتدي القفازَ أثناء استخراجها الكبدَ المصاب بالتليف. وهي معذورةٌ لأنها تجهل أنه بذل جهدا في الاتزان عندما كانت تدوّن شيئاً عن اللواتي هززن عرش مصر.
تناص
المستشفيات مفتوحةٌ 24 ساعة فيما إذا الشَّعرُ الذي هندمه الكوافير فقدَ الغجرياتِ اللواتي يقفزن من أطرافه إلي الأكتاف، فيصاب الصبيةُ برعبٍ ينطوي علي لمسةِ اصطناع يستطيع المحنكُ فضحها. حسن. من فوائد التناص أنه لا يعبر عن مشاعرنا تماما بل عن مشاعر الشخص تجاه الحالة التي تجسد مشاعرَ الوضع المشابه لموقف المرء الذي حمل مشاعرنا نحو ناسٍ يصدرون عن مشاعرَ موازيةٍ لآخرين ليسوا هم نحن تماما.
كان المحذوفُ بينهما أثقلَ من كفاءةِ حاذفيه. وحينما وصلا إلي «مدنٌ تهوي في الروح ومدنٌ ترقي» كانا قد كرها التناص كليةً لأنه غشيمٌ لا عمل له سوي تقشير الندوب عن صديدها.
كرة بنج
لا مانع أن يصارحا الطبيب بالفقرة المعطوبة العليا في سلسلة الظهر، بدلا من أن يموّها عليه بإفهامه أن إطفاء السجائر في اللحم كان تمثيلية تربوية. هي معذورةٌ في الخوف من فقدانها، نظرآً لدورها الجوهري إذا كان الفستان بسبعةٍ من الخلف. وإن صار لابد من بترها اقترحا علي الجرّاح أن يثبّت مكانها كرة بنج بيضاء تقوم بنفس الدور. فلو أنه السرطانُ لكان أمرآً بديعاً، إذ سيمنح الدبلوماسيين تكييفا للشائعة التي تقول إن عندها جرثومة تحت شَعر السر، كما أن حديثهما عن الإخفاق سوف يحظي بمصداقية لم تحققها حينما أكدت مراراً أنها تكره العيش مع شركاء.
ناعسة
أتوا بجرّاحين كتومين للسر من أجل التعامل مع الغشاء الذي استعصي علـي تصنيع العواطف . انتفاخ بطنها كان يؤثر علي كمية الهواء المتاح بالغرف. فتذّكرَ المصريةَ التي سبّب عرجاً في ساقها اليسري بعد انفلات الكوابح. شاهدها مع زميله المختبر وبينهما أربعة أثداء، اثنان منهما كانا يصّران علي صنع الخير، بينما الهواء المضغوط يوحي له بأن يقصّ شَعرها علي الزيرو، لتغدو هذه الرأس مثيرةً لذكرياته عن أمثولة الصبر، عندما باعت امرأة جدائلها وهي تحمل في قفةٍ دودَ زوجها، في حين يسألها الشامتون علي دفوفٍ جنائزيةٍ في مسلسل الخامسة والربع: فين شَعرك يا ناعسة؟
سيد المنزل
تنهش الحوائطَ بأظافرها لأنها لم تستطع تحذيره من عدوان الشوارع. تبادلا تعارف الأمعاء بالأمعاء، ثم تركْته وحيدَ أحشائه التي يهركها الكلابُ، وهي العليمةُ بالساعةِ التي يصير فيها الفيروسُ سيد المنزل.
ليس من وقتٍ لإثبات أسبقية الروح. وهي تشم عَرقه بينما الآخرون يمسحونه بفوطةٍ. تضع خافض الحرارة في الشرج، وتظل واقفةً كديدبان إلي أن ينتظم الوجيبُ ويرحل سيد المنزل، فتستطيع أن تري خيوطا من الدم في القنوات التي خلفتها الأظافر.
الإبرة
كيف نفرّق بين البراعة والشّغف، إذا كان الطبيبُ قد أفسدَ الأمرَ كله؟ حك أنفه وقال: صداعٌ عادي. سامحه الرب، فقد كان الكثيرون في حاجة إلي هذا السرطان مثلما كان مواطنو كافافيس في حاجة إلي البرابرة.
فلماذا يخونها الرجال بالمرض، بعد أن أقسمَ كبيرهم أنه علي عانتها يموت فيلقي جنةً علي هيئة مكتبةٍ، بينما الخونة يعرّون مؤخراتهم لاستقبال إبرةِ سيد المنزل.
الملابس
لم تشرحْ التفاصيلَ لأن الشواكيشَ فاجأتها، فهل لابد من ورمٍ خبيثٍ لكي تعرفَ المرأةُ كم يحبها الآخرون؟ هما يدركان أن العكارة مصروفة بالتساوي بين خلق اللهّ، وقبل أن تشاهد جسدَها منتجا للأساطير لن يمكّنا الذنوبَ من أن تفسدَ الملابسَ.
الخِضْر
يطوف به عبد الرحمن، بالتواء فمه عند جرعة الماء. كان مندوبا عن الخضْر حين تنبأ له أنه سيلقي الشخصَ نفسهَ مرتين: مرةً أيام واثقِ الخطوةِ يمشي ملكا، ومرةً أيام فوكو والثوبِ الذي إذا ارتدته الغلاميةُ شكشكَ الآباءُ عروسةَ الورق.
يتذكّر أن خيري السمرة طلب نصفَ المبلغ ثم تنازل عن النصف الثاني بعد الجراحة التي نجحتْ بصرف النظر عن عبد الرحمن نفسه. ابن عمه الذي لم يلحقْ دفنتَه، مع أنه يدين له بكل نجيب محفوظ ونصفِ مصطفي لطفي المنفلوطي وخُمس جبران.
العُقدة في منطقةٍ بعينها، وحين يطفح الماضي ستدفع سيدةٌ ثمنَ مهنةِ العلو، قبل أن تتحسسَ الحاجبَ الذي لم تنتفه، لأنها خصيمةٌ للورم ومعاديةٌ لعقيدة الخفّة.
فلسفة التخفف
توصّلا إلي كوارثَ سابقةِ التجهيز، ستدفعهما إلي أن يناشدا المارّةَ أن يستلهموا حضارةَ البدائيين في جعل الكفّين نفيا للخَرَس.
لن تكتبَ المرأةُ تجربةَ المرض. الرجل هو الذي سيكتبها، إذ من الضروري للسلام أن يصحو. أخته تستوعب أن قراءةَ الطالع قناعٌ، فلا تداريا عليها أن المكانَ موحشٌ إذا خلا من الرجل الذي يتحتم التخففُ منه.
الأخطاء
كل ما يدريه أن العتاةَ كانوا محقّين لأنها حبستْ جسدَها الأصلي في صندوقٍ مطعّم بالصدَّف، بغيةَ ادخاره للحظةٍ قد لا تجئ إلا بصدفةٍ لا يجيد حسابها فنّيو الأعطال، الذين لم يلاحظوا قائد الأوركسترا وهو يعلّق عازفيه في السقف.
هما غير محتاجْين للكوريكتور لإزالة الأخطاء. يكفيهما أن يبتسما للخاطر اللئيم حول اتساع سرواله، قبل أن يشجعها أمام الطبيب المناوب علي عرض تاريخ حالتها.
روبابكيا
كان يكره شَعرها محلولا، ويمنع عنها طلاءَ الأظافر حتى لا تستوعبَ اقتراحَ فورتها. سيدُ النعمة الذي تمنت أن يموتَ كي تعطي أثاثَ غرفته لبائع الروبابكيا، تتمةً لبغضها ضمةَ الصدر كلما عاد من أسفاره يجرّ عضلات الصاعقة بساعدْين احترفا لذةَ الهصر.
غرفُته الآن خاويةٌ، بعد أن غادرها الطاغيةُ كثيفُ شَعرِ الصدر.
وهي ترتب احتفالَها الذي لم يفهمه الأسوياءُ: ستراقصه طيلةَ الظلام، بجسمه العسكري المحشوّ بالجُلّة. لن تتفادي النظرَ إلي شاربه المموّه، ولن تكثرت بنظرات أمها من الثقب إن أنهكتها رطوبةُ الجو، رغم أنه كان يحرّم عليها الكعبَ الذي يوضّح صحوة الثدي، حرصا علي أن تظل الوصايا معلّقةً في النجف.
وحين تأخذ الرقصة مجراها، وسطَ مومياواتٍ ترفع ذقونها الآليةَ فوق دواليب العُرس، ستحاذر أن تصطدمَ بذَكره. وإذا بلغ الكرنفالُ التباسَه المطلوبَ ستنجلي حالةُ القهر: لأن الطاغيةَ مات قبل أن تنال منه.
الأشباه
شواغلنا قليلةٌ هذا الصباح، ونحن مكشوفان تماما بعد أن اختفي الظلُّ في الظل. هبط الملاكُ وبائعو الجلود والأشباه علي شواغلنا القليلة، ولم ينجح المحارُ الذي جمعناه في طرد أحد. ومع ذلك كانت جاهزةً لغفرانٍ ليس من طبائعها عندما أعلنتْ في الجمع أن الخطّائين للخطّائين. وهمستْ: أنا ممنونةٌ للضغائن التي تبرق في الليل، فتنير مستقبلَ الضعفاء.
(أبريل 1996 - إبريل 1997)
********************************************************

هيمنة الساق علي النص
فريضة
هذا الجسد ثلاثٌ وسبعون فرقة، وليس أجمل من النعوت فلا تبتعدْ عنها، حتى تنضجَ منذ البدء قدرتنا علي هتك الستائر حول فِراش بنت العم باعتباره فريضةً من فرائض التسليم.
حب الذات
تدوَّرت الجغرافيا في ستين يوما لأن في مصلحة المساحة موظفا قبَّل الحذاء من غير أن يكون حزبيا، بينما مدراؤه في مهنة المقياس فضّلوا أن تشرب الحزينةُ السُّلافةَ التي أهدرها الرجلُ في الكف من فرط حب الذات. بخصوص الغمّازتين في الخلف فلابد أن اللّه بعد فروغه من صلصاله غزَّ إصبعيه في كل فلقة، لتنشأ لنا هذه الهيسريا التي مرت عليها شفتان: السفلي سافلة لا تهمنا، والعليا هي الشأن كله، حيث الأخاديد التي تخّفت بها بنتُ عم تدوّرتْ عندها الجغرافيا، بما خلي موظفَ المساحة يوقن أن الدنيا غيرُ مختونة بعد أن عايش امرأةً تصرخ في شبيهها: اعقرني أيها الذئب ثلاثا وسبعين عقرةً، لأن كل فرقة تطالبني بحقها.
ماء الظَّهْر
الثغرةُ اتضحت حينما أكّد المشبوه أنها لم تسرق الخريرَ من كراسة الموجّه، ولم تغشَّ الممتحنَ لأن الخريرَ كان نزفَ الجسد.
هنا تيقّنتْ أن وصيةَ الأوصياء صادقةٌ، فقد رأته يرفع الأخريات وهو يهوي، ثم يسكب الماء عند أقدامهن من غير أن يجفّ ماءُ ظهره. حقا إنهم طاهرو الذيل، فالخريرُ ليس في ماء النهر.
أضرحة
كيف يفسّر لنا الشعبيون أن جارةً قطعت ستا وعشرين محطةً بدون القطعة التي تصون ماستَها من تراب العامرية؟ قد يرون هذا الجنوحَ علامةً علي أن الجازيةَ ضاقت بمائها تحت قطنها، وقد يربطونه بزيارة المعوزين للأضرحة، حيث يدفن العقيمون رءوسَهم، ويتاجرون في الأحجبة التي تفكُّ العمل.
مشكلة الندرة
في الرابعة من فجر كل ليلةٍ تساورني رغبة الكتابة عن مؤخرة حبيبي، لكنني أكبح هذه الرغبةَ خشيةَ التأثر بتشبيهات نجيب محفوظ كلما ثنت زبيدةُ جذعَها لالتقاط عباءة السيد. وأحذّر نفسي من الانقياد خلف رؤية أمرئ القيس عن الكفل الذي يرتج له الموقع، ومن تقليد مركزية المؤخرة في مخيلة الجماعة.
هكذا كنتُ أدرك في الرابعة من فجر كل ليلةٍ أن مؤخرةَ حبيبي تعكس مشكلةَ الندرة، وأن علي ألا أدوخَ من مشهد الدم الذي سال منها لحظةَ الهتك، حتى لا أستغرقَ في غمازتيها اللتين تُلمحان إلي ذكورةٍ ضمنيةٍ في أصابع الإله بعد النفخ في خاماته.
في الرابعة من فجر الليلة كان قراري: لا يموت المرءُ مرتين، سأكتب مؤخرةَ حبيبي واضعا نصبَ عينَّي غُفليةَ الأختام، ساعيا إلي اقتناص الشريحة التي تفصل بين برزخين، وما يولّده الاحتكاكُ بينهما من مفاهيمَ مستقبليةٍ. وطالما أن شاعرآً قبلي لم يخصّص نصّا عن المؤخرة أتخذه تراثا أبني عليه بالإضافة والحذف، فلا خيار لي سوي أن أجزَّ هذه المؤخرة، وأضعها علي الورق بديلا عن الكلام. وإذا ألقيتُ القصيدةَ في محفل، سأوجه الصفحة قبالة المتلقي مبتكرا طريقةً في الاتصال بين الفن والجمهور تردم هوةَ الغموض في التجريب، لقطع الطريق علي تأويل مؤخرة حبيبي بالوطن.
وجوديون
ما الذي جمعنا بهذا الرجيم؟ ربما اشتراكه في ثورة 48 عن طريق الخطأ، وانخراطه في كوميونةٍ لقتل زوج الأم. وكيف سنفهم التقاءَ صاحب الغثيان بالرجل الذي مات بالزهري؟ لم يكن اختياركِ للرجال الثلاثة عبثا: الشاذُ الذي لدغتْه أفعي، الملتزمُ الذي ضيعته الجزائر، والمزارعُ الذي غنجَ كالمومس. بهذا يمكن أن نعلل كثرةَ الكوابيس علي كورنيش المعادي، فما الذي أقحم الرمزيين في الواقعة؟ ربما هو: الوجودُ والعدم.
هدوء
تهدّئ رعشةَ الأجفان التي يهزمها المنظرُ الطبيعي، فإذا انكسر صوتها مع انكسار نافذةٍ مَرِضَ الأشقاءُ. وسَّعتْ ما بين ساقيها لكي تطيبَ الخواطرُ وتدركَ الذكرياتُ مهمتَها.
فجٌّ عميق
لا مهرب من أن تكون مضاجعةُ المريضات عملا من أعمال الحج، سيما إذا كان البلاط باردا بما يدلُّ علي أن شفطَ الأعضاء للأعضاءِ فصلٌ في التطوع.
تراث
لو أنني موسيقي لوقفتُ تحت إبطك أعزف علي الكَمَان جاعلا قوسَه يحفُّ منك بجانب الصدر، فإذا خرج أهلُ القري حاملين القرابين عاونتُهم علي اكتشاف الخصوصية التي يكنزونها في الرقص. بعدها يمكن أن أتركَ للأجيال اللحنَ كله. لستُ موسيقيا، لكنني أستطيع أن أحملكِ علي ذراعي محدّقا في حاجبيكِ الغليظينِ، مستأثرا بما في هذه الغلظة من حنان البدو.
الشّعرية
هاتان السّاقان شهيقان: شهيقٌ يهمس خذني، وشهيقٌ يصرخ: إنّا مفترقانِ. عمودان من الدّم المطلوق: الأول وردي شأنَ بكاراتِ الأغشية البكر، الأخرُ فيه من الجرح القاني: كيف سأشرب سِمَّانةَ ساقِ السيدة إذا لم أنعتْها بالأيطلِ والظبي وأهتف إنهما الملعوقانِ. الساقان سؤالانِ عميقانِ انتصبا ساريتْين، الساريتان بجمرهما المتأجّج تحترقانِ. الأم تقول: هما الفتنةُ تختبئان كسفّاحين، السَّفاحانِ بفن القنص عريقانِ، إذا كمِنا برهةَ ليلٍ، برهةَ ليلٍ أخري ينطلقانِ. هنا الساقانِ مثنَّي ربّ وهما المنّاحانِ الخّلاقانِ. الساقانِ مؤرجحتانِ بمشنقةٍ، وعلي الحْبل يضئ المشنوقانِ. فماذا يخسر أهلُ الكوكب إن جُرّحتا ومشتْ بقعٌ حتى الكاحل تشتجران وتعتنقانِ. وما قَدَري إن أُنهيتا بالشفتين الواقفُ في بابهما راعٍ أرِقًٌ في عينيه الحراّس الأرِقونَ وبينهما جنديان بصابون الركبة أَرِقانِ. فويحكَ من هيمنة الساقِ علي النصّ ومن هيمنة الوزن علي الخفقانِ. اكسرْ: فالساقان حوافٌ في هّواتٍ مفتوحات أو جيشانِ بعملاء الشهوة مخترَقان. اكسرْ فوراءَ الساقين عظامٌ تنخرها الرغبةُ ويرويها في الطلّ نشازٌ فوق نشازٍ يصطفقانِ. اكسرْ: فالساقان النثرُ المتوتُرُ وهما في العائلة الولدانِ العاقانِ. شهيقان احترقا فاحترق شهيقانِ. اكسْر: فالساقان إذ أُشربتا كلَّ ثلاثين نهارا طفْحَ الدم تصيران الشعريةَ إذ عُجنتْ بالطمث وإذ كُسرَ الُحقَّانِ. الأصدقُ قل:
ساقا حبيبتي تصطّكان إذا قّبلتُهما خلسةً بجوار بائعة الشاي.
ساقا حبيبتي مضمومتان تحت المائدة وإحدي السّمانتين أغلظُ،
وهي تشخبط بالرابيدو علي أصول البحث.
السوائل
هذا الجسد ثلاثٌ وسبعون فرقةً، كل فرقةٍ تناهض الأخري، وتزعم أنها الجديرةُ بتمثيل الانهيار. هكذا فارت السوائلُ علي نقوش بنتِ العم حتى لوّثت كفَّ الرجل الذي يدعك الدنيا علي جِلدها بالحَرف. اللئيمةُ المستقبليةُ رأتْه وحدَها.
(يناير 1997)
********************************************************

بورتريه الضباط الأحرار
يستطيع المرءُ أن يصيرَ واقعيا إذا أفشي بعضَ أسرار جيرانه، فليس من تجاوزٍ إذا فسّرتُ النزيفَ بين وركي حبيبي بانفلات العفاريت من عقالها، لكن مثلي مكلَّفٌ بالانحياز لمطربي العمال حتى تشرق الأحلامُ في النهضة.
نعم فشلتُ في إخفاء حزني علي مؤلفٍ أكله السرطان بعد أن أدي طقوسَ الإشارات بالجودة التي تقتضيها حضارةُ الحب، غير أن الطاولات لم تكن في حاجةٍ إلا لبعض دوارقٍ الزهر. لماذا الموتُ صنو حَلْمتْي حبيبي؟ إذ اشرأبتا تذكرتُ خميس والبقري، وإن اسمرّتْ حول مركزيهما الدوائرُ ارتحلتُ للطفولة، حيث أمي تستحم مستعينةً بالطشت والإبريق بينما أليفُ ظهرَها بيدي. ينبغي أن أنْأي عن دعوة المحتل أن يدعَ سمائي لأنها محرقةٌ، فإن تحقق النأي صرتُ ملزما بجعل أشباح حبيبي محورا للخيال الحديث، حيث القناصون في كل ناصية والحاسدون صفوفٌ علي الكتف.
مستقبلا سنكون ضالعين في تسريب قسطٍ من براءة النفس للتلاميذ حتى يستطيعوا درءَ تصلب الشرايين في الليل: نبدأ بالنقاهة التي فيها يلقَّنُ الطفلُ كيفية اتقاء الخدع السينمائية، ثم نضاعف الدرس بفضائل التحوصل ضد الذاكرة. ستقودنا التقوي إلي أن التشوه منحةُ الإله للمحظوظينَ من عبيده، فلابدّ للوقائع أن تجعل الصوتَ مشروخا إذا قال: غادرْ القفصَ.
الواقعيون تكأكأوا علي كاهلي. فكيف يمكن أن أقنعَ جارةً بأنها ليست بومةً كما يظن دراويشُ العمل الأهلي، وأن أحداثَ الصبا لا يصحُّ أن تحرّكَ العمرَ حتى لو حفلتْ بالاغتصاب وحَرق عروسه الحلاوة؟
فُصلَ أعضاءٌ قيمون من أمانة الحزب، وهو ما يشي بأن الألفاظَ مشبوهةٌ في حالة المرضي، إذ يدارون ارتباكهم بالتقاط العلاقة بين العُصاب والعصر، بينما امرأةٌ تتأمل طرفَ ثوبها تحت الحذاء تأكيدا علي أن الجنسَ والموتَ من أمٍ واحدة.
أصابعها تلوذ بجسمها بعد غيابٍ لم يفهمه أحدٌ حتى ينصرف الأسيادُ من ثقبٍ أسفلَ ظهرها، بعدها يهرب الواقعيون ويسقط الكلام المشبوه علي البلاط، فجّّبي تركَ النور مفتوحا. حاليا مهمتكِ الوحيدةُ وصْل الحي بالحي عن طريق علاء حمروش: حين كان يعلّم الحواريين كيف يصبح الناس تكتيكيينَ كلما أقبل المساءُ، كان يعرف أن ذبحةَ القلب سوف تفسد الخططَ، فلما واتته الجرأةُ علي مجافاة تاريخ الأب، حيث بورتريه الضباط الأحرار فوق كل هامةٍ، أدرك أن الأطفالَ وحدهم قد يفلتون من غسيل المخ إذا صار المدرّسون غير بكباشيين. لماذا إذن خذلته الفلسفةُ بعد أن أفرختْ الذقونُ ذاتها، ولم يهرعْ لنجدته ابن خلدون إثرَ هجرةِ الأهل؟ قبلَّني لحظةَ الخروج من باب الخلْق حين كانت السبعينيات مسئوليةَ التلاميذ ، لأنه خَّمنَ ثقلَ الأفئدة لو ظلّت محمولةً علي الأكتاف.
هذه خدعتُه: الفتي الذي صار شركةً بطرفة عين. يا عينُ ياليلُ، كل الدروس تهوي، فيما الفتي يعلو. كان ياما كان، سبعة وعشرون عاما. صبي يدخل كلية الآداب ويغادر مصطفي صادق الرافعي. هو الآن فوق المحيط يستعيد اضطرابَ أنساقها: المجروحون من الأب يقفون في الطابور الأيسر، والمجروحون من الأم يقفون في الطابور الأيمن، وبينهما سيبزغ البلطجيةُ والمموَّلون من الغرب والوشاةُ والملوّحون بفتح الدفاتر وطباخو السْم، بمن فيهم منشئُ هذه الكتابة، يتوسطون جرحي الفريقين قافزين في خفّةٍ علي رموش حبيبي يرتجون منه الصفحَ.
تكأكأ الواقعيون علي كاهلي فجاءت بنات نعش، وجاء حاملو الدف، وجاء محصل الكهرباء، والفلاح الفصيح . وسابقا تجلي الخِضر وتجلت السيدة زينب وتجلي شنق زهران.
كان ياما كان، كل شخص وقرينُه: مضارِب البورصة والشاعر، اليساري وعامل الشرطة، مديرو مراكز البحث والهجانة، سالومي والمطلّقة. من لوازم الواقعية أن أهنئ الراحلين علي السكينة التي عزّت علي كلما أوهمتُ نفسي أن موتاي لا يطلّون بغتة لأعاين ثغرة أنفذ منها إلي انحراف حبيبي. كان ياما كان يا صمتَ العشية: رهط من وكلاء الروح يحومون في زي الملائكة، وضيئين بريئين، يزينّون للأحبة احتضارهم مطحونين بشرائح الطبقة، راسمين علي السبّورة اسكتشاً للفردوس. الواقعية أخت الشجاعة فما عليك إلا أن تعترف بأفعال أنثاك في بطنك، وما رافق شرّها من غنج الرجولة من مثل: حنانيك يا سافلةُ، حنانيك يا مريضةُ، حنانيك يا ذئبةَ مصر.
فإن لم تكن كفؤا لهذا القطاع من واقعية النخر فثم حلاّن آخران: الأول أن تعلّق علي الحائط قائمة بأسماء: عبد الرحمن عبد ربه سالم، عبد السلام مبارك، سعد الله ونوس، عمر نجم، عبد الدايم الشاذلي، أروي صالح، وائل رجب، أترك فراغا لزبائن قادمين ، مثل أحمد الحوتي وهشام مبارك ومجدي حسانين وجودة خليفة ومحمود بقشيش ومحمد عيسي القيري. لا يهم أن تصّنف علي ضوء الأبجدية أو أسبقية الوارد، فالجامدون مذمومون في كل ملّة. واجبك القيادي هو أن تلقي علي القائمة كل صباح نظرةَ المفكّر المؤسّس، للتثبت من أن أصحابها لم يفرّوا فتفشل كلمة السر. والثاني أن تنكص عن الأول، متراجعا عن فضائل التحوصل ضد الذاكرة، مستعيدا ضياع المفاتيح.
يقتضي هذا الحل أن تكون مستعدا للتخفف من الشاعر وقرينه، ومن سالومي وقرينها، ومن نذور السيدة. فإذا كنت رعديدا لا تقوي علي أي من الحلّين، لا مناصَ من أن تصرخ، وتظل تصرخ رافضا أن يضيفك المعاصرون إلي القائمة قبل أن تدخل ذراعكَ كلها في حشا الحبيب كي تستخرج الوسواس. وحين يسألك سائلٌ عن سبب الصراخ قل: كان ياما كان فتي لم يستطع دفعَ أجرة الواقعية بسبب كثرة الجثث.
(ديسمبر 1997)
********************************************************

صباح الخير أيها المجرمون
طارت العصافيرُ من القفص
من هنا يبدأ اختبارُ مستوي الحضارة.
حبيبي يحطُّه الخِضر في عينيه
لأنه الحجابُ الذي تخفيه العذاري في السراويل
حتى ينزل الأطفال في هلّة الهلال.
أصفُ أحوالَ حبيبي بقولي:
الليالي مجروحةٌ بحبيبي
وسوف يأتي زمانٌ تسهر فيه الليالي طوالَ الليالي
لتطبيب جرح حبيبي الذي نكأتْه الليالي
أما رفعُ المقتِ عن لصوصِ الأعناق
فعائدٌ للمجروحين وحدهم إن شاءوا تهدئةَ الروع.
خمّنَ الحبيبُ أن ارتباكا لابدَ واقعٌ في وعي الآدميينَ
لو أن الأشجارَ لم تكن خضراءَ
أو أن الزملاءَ لم يكونوا بصّاصين.
صباحُ الخير يا شعراءَ العامية،
صباحُ الخير يا مستشاري النقض:
الهانمُ الحزينةُ التي كبّلها القومسيونجية
وضّيقوا خناقها بعمود الوفيات وابن حنبل
شوهدت فوق مُهْر السيد البدوي
حرةً ، مفتوحةَ العينين، تحارب الغزاةَ
سيفُها كان فوسفورا
وسرجُ حصانها قطيفةٌ من باكستان
وبين ساقيها نهرٌ من عسلٍ مصطفي
يحفُّها العشاقُ في ميمنةٍ والمريدون في ميسرةٍ،
كلٌ برمحٍ ورايةٍ وتفاحةٍ من آدم
وهي تنشد من غير صوت:
«كانت نارا صارت نورا
حجرٌ يصبح باللمس طيورا
فتصير الغمة فرَجا وسروراً»
طارت العصافيرُ من القفص
من هنا يبدأ اختبارُ مستوي الحضارة
لدينا حصّةٌ للنقاهة
نستطيع فيها أن ننتج المسّرةَ باكتفاءٍ ذاتي
فدودةُ القز غيرُ مضطرةٍ لماكينات
وأبوكِ يستطيع أن يشدَّ حفيده بيديه
بعد أن يطشَّ القرنُ وتبتلَ الشراشفُ
ويري وجهَ الحفيد مزيجا من ملامحه وملامحي.
صباحُ الخير يا مدهوشةً من كمية الشرّ،
صباحُ الخير يا مترجمةَ المعني إلي الشفع والوتر،
صباحُ الخير يا مختومًة بغير ختم النسر.
انصحوها أن ترحم الرجل الذي شبّهتْه براسبوتين
المصيدة في صندوق دولابها
فالمصيدةُ تحت فلقتيها علي مقعد الشرفة
المصيدةُ في الدولة.
تمشي كتاريخ،
تمشي كجغرافيا،
تمشي بخفةٍ لأن في قعرها أثقالا من الصّوان
لأن في اسمها انتقاصا من تراث البدو
لأن في ظَهرها شامةً تخاف إن تسقط إن بادرت بالبوح.
أوضّحُ التباسَ حبيبي بقولي:
رأيتك ِتفتحين الذراعين للعصافير تترك القفص
من هنا يبدأ اختبار مستوي الحضارة
ورأيتكِ تخلعين القميصَ والقبةَ السماوية
من هنا يبدأ السؤالُ: لماذا الناسُ لهم عيون؟
ورأيتكِ ترمينَ البياضَ
قبل أن توشوشي الودع
من هنا تقدمت ضارباتُ الرمل:
«قدّامكِ سكةُ سفر، وفتي من دمكِ يريدك في جهةٍ، وفتي مغتربٌ عن هذي الأرض يريدك في جهةِ، وعيونكِ تأكلها الحيرةُ: من تختارين؟ أري رزقا في يدكِ اليمني وأساورَ في يدكِ اليسري، لكن هناك غرابينْ علي الشجرة نعّابين. سيحرسكِ الستّار . أمامكِ دربُ السالم، في جانبه دربُ النادم، بعدهما دربُ الذاهب من غير إيابٍ، عند نهايته يتجلي سيدك أبو العباس المرسي جهّز ناقته للطيران، وبُردته لبني في لبني، فيما ثوبكِ أبيضُ في أبيضَ، قولي إن شاء اللّه، بياضكِ يا شابة».
صباحُ الخير يا معهد الصدر،
صباحُ الخير يا أهل تطبيع العلاقة،
صباحُ الخير يا رهينةَ المحبسين.
دوركِ إغراقُ راسبوتين في عَرق البلح
بعد تلقينه أسرارَ عبادِ شمس
لكي أسجّل نظرةَ حبيبي بقولي:
صانع عينيكِ ليس شريرا
حتى لو كانتا مصدرَ العذاب حين تهمسان:
جسدك خالٍ من نهش الأسنان
جسدكِ خالٍ من حفر الأظافر
جسدكِ ابن الطبيعة لا الاجتماع.
صانعُ العينين واجه صورته في البؤبؤين
فارتاب في دوافعه حين شكّل العلقَ
وراح يهمس: «في أي صورة ما شاء ركّبك».
ما مرّ يا حبيبي يعني أن اسم أمي
ينطلي عليك بعد الخروج من مدينة نصر
وما مرَّ يا حبيبي
يعني أنك ترقدين بين الكتابة والإيروتيكا
وإلا فما مغزي الرمال في الشّعر؟
وما مرَّ يا حبيبي
يعني أن هناك شخصا سوف يمشّط شعركِ المبلولَ بمذراةٍ،
وما مرّ يا حبيبي يعني أنه مرّ يا حبيبي،
ساعتها عرفتُ أن الفقرَ هو استخدامُ الفقر لإذلال الروح
كما علّمنا الحلاج،
ورأيتُ المسافةَ بين أصفر الثوب واستغاثة الخاصرة
برهانا علي جدل الطبيعة.
صباحُ الخير يا صحافة المعارضة
صباحُ الخير يا جعرانها علي أثينا السوداء،
صباحُ الخير يا ذاتَ النطاقين.
حين تزلُّ قدماكِ لحظةَ الهبوط من العجلة الحربية
سأحملكِ إلي غرفة إسعاف السندباد
وبينما يثبتون حولَ الكاحل الملتوي جبيرةً
سأحطُّ أحلامي كلها علي سّمانة الساق.
هكذا يا ست:
أسرفتُ في تأريخ الطريقة البيومية
لكي أسرّبَ رسالةً مؤداها:
«لي بين الضلوع دمٌ ولحمٌ»
وأسرفتُ في دراما بناء بيت الأهل
لكي أعطي انطباعا بأن الفواعليةَ بعضُ ماضي.
عولج الجرحُ بالمشارط والضماد
لكنّ قطْعَ الوريد ثانيةً ليس حرفةً صعبةً
كل ما هناك انتظارُ لحظةٍ
يكون فيها الماهرون في الاتزان علي الصراط
مشغولين بإلقاء الوصايا العشر:
  1. كن رهنا للطاغوت فهذا أفضل للطاغوت.
  2. احبس روحكَ في صندوقٍ من خزفٍ فالله كبيرُ الخزّافين.
  3. اكبحْ جسدكَ عن جوهره نمنحْكَ الكينونة يوم الدينونة.
  4. وجّه سعيكَ لتملُّق رؤساء إدارات الصحف القومية من أذناب السلطان.
  5. كن محتاطا وحريصا فالجرأة والكرمُ هما من عمل الشيطان.
  6. احنِ الهامةَ حتى تعبركَ العاصفةُ فخيرُ الهامات المحنيات.
  7. المرأةُ عوراتٌ منثوراتٌ في درب الرجل الصالح.
  8. تبّا للشَّعر المحلول يصير بوارجَ نارٍ حين تقوم الساعة.
  9. لا تشربْ من ماء الغاوين: الشرعُ خصيمُ الشِعر.
  10. القمعُ عمودُ التقوي.
هكذا يا ست:
عاينتُ فوق عظمة الحوض آثار الخياطة
فصحتُ: حينما يتكوّر الطفل في الأحشاء لن تكحتَه المغارف،
ولن نسمح بأن يرسلوه إلي الصرف الصحي
لأننا غير راغبين في تطعيم ماء الغسيل بالنّطف.
تمشي كقصة حب،
تمشي كواقعة في ضحي الإسلام،
تمشي كتعليم اللغة.
هناك منديل لم أمسح به ماء ذروتها بعد
هناك أدوات نفي لم نحركها في الدفاع عن النفس بعد
هناك عظام لم تصبح رميما لنحيي رميمها بعد.
يا حبيبي الذاكرة فحتٌ في القعر
بينما سؤالي: هل الجرّاحون مجروحون؟
يا حبيبي الخيرة فيما اختاره الله:
توقّعنا الكراهية ففاجأتنا المودّةُ
قدّرنا توجسّ المستريبين فلاقينا طيبة الطوايا
بدأنا برعبٍ عابرٍ وانتهينا برعبٍ مقيم.
تمشي كأطلال ناجي،
تمشي ككشفٍ لالتباسِ الحملة الفرنسية،
تمشي كمعضلةٍ في سبيلها للحل.
المرأة التي فكّرت أن تضربَ نهدها بمطواةٍ
لكي تنجو من دساتير الذَّكر
هي التي أخصُّها بتحية الصباح:
صباح الخير يا شريعةُ
صباحُ الخير يا حقوقُ
صباح الخير يا سدَّ الذرائع.
ستدلك الأمُّ علي جملةٍ تخلو من الماضي المرَّكب:
المجرمون مئة
أوّلهم فقيه الشرع
وآخرهم مزوّر الكونسولتو
وبينهما ثمانية وتسعون:
«المتكالبُ، والكذابُ، ومداحُ السلطة، خوّانُ الرفقة، والحابسُ مستقبلَ حسناء بقمقم غِلّ، والسمسار، ومدّخرُ عقارات خالية، حاجب محكمة الجيزة، والمتسلقُ، جرو السيدة الأولي، والمخبرُ، ومزيفُ فاتورةِ نور الشقة، محترفُ التليفزيون، وبيّاعُ الأحذية لأصحاب العمر، اللاعبُ بحسابات الهيئة، والمتواطئ مع تجار الأسمنت، المسعورُ علي جائزةٍ، والمغتابُ، ونهّازُ الفرص، الشّكاء ولا شكوي، القابضُ يده المغلولةَ للعنق، الواشي، ترزي قوانين الكبت، منفذّها، ومسوّغها للمكبوتين، الجابي، سائقُ تاكسي السهرة، مندوبُ الله علي الأرض، وكيل المرسيدس، والمتوفرُ في كل مناسبةٍ، ورفيقُ السوء، الحاكمُ إذ يطغي، والمحكومُ إذا قبلَ الطغيانَ، المفتي بالتكفير، مهندسُ مكتبة الأسرة، لصُّ الآثار المصرية، والموصي بجواز الصلح، المتصّورُ أن الحسنَ يساوي العهرَ، الراكعُ شكراً لهزيمة يونيو، وموظّفُ مال الفقراء، ومتصّدرُ كشفِ البركة، والإمعة، المرعوبُ من الآخر، قوّادُ الجرنال، المتشدقُ بالبسطاء، المتعلقُ بالمدراء، الدسّاسُ علي الشعراء، الواضعُ خدَّ كرامته تحت حذاء مطامحه، ومشوّه وجهِ الحق، حكيم الغبرة، ومدرس فلسفة القاهرة، الكنّازُ الأرصدةَ علي الأرصدة، الحاضرُ بالأجرة، والغائب بالأجرة، ومرابي الطائفة، المالكُ في ثوب ملاكٍ، والميكافيللي، المتظاهرُ، شارحُ عقدِ الإذعان، مدبّجُ تحريكِ السعر، ملفقُ فكر المستشرق في الصحف الصفراء، التابعُ، والمتبوعُ، المتسمّر عند الخلفِ الصالح، والمتشبهُ بالغير، الداعُر، والمتشاعرُ، ناكرُ منبته، واضعُ سمّ الوجبةِ لتلاميذ الفصل، المتصّنعُ، والمدهونُ بسمنٍ، والضغّان، المختلسُ، المتمسكُ بالعتمة، والكائدُ، ذو الوجهين، المستوزر، لص الكتب، ولص الروح، ولص العمر، ولص شباب الأنثي، غشّاش الشاي، ومعماري الأبنية المنهارة، ومحامي تجار العملة، والمتصابي، محتكر الضعة، ومتقاضي سمسرةً من أدباء القطر، ومحسوبُ المسئولين، المتحركُ بذكاءٍ، والموتورُ، الخائضُ حربَ مصالحه بشجاعةِ تيسٍ، والمشبوهُ، حليفُ المشبوهين، صغيرُ الفعل، صغيرُ النفس.
صباحُ الخير أيها المجرمون،
صباحُ الخير يا بنيانكم المرصوصَ يشدُّ بعضه بعضا،
صباحُ الخير يا عيونكم المقروحةَ من طول السهاد.
لستِ المهزومةَ يا بنتَ أستاذة النحو
طالما الفرقُ بين الفَراش والفِراش لم يدركه الآخرون
حتى يسوّقوا البضاعة التي يغلّفونها في المخبأ
بنجوى دعاءِ الوالدين.
طارت العصافيرُ من القفص
من هنا يبدأ اختبار مستوي الحضارة.
قد نفهم النقصَ في مخاليق الطين
قد نفهم كيف يصنع الفشل مقاولي أنفار
قد نفهم الصندوقَ الأسودَ في كل نفس
لكننا لن نستطيع أن نفهم:
لماذا يتبرع الطليعيون بالقتل؟
هكذا يا ست،
مطمئنا إلي أنكِ في أمانٍ أقول:
علي نهديكِ اسمُ النبي عدنان،
علي نهديكِ اسم النبي إبراهيم،
علي نهديكِ اسم يوسف.
وحين تسطع فيهما الأسماءُ سوف تستحيل
أغمادُ السيوف إلي مراودِ كحلٍ
والعبيدُ إلي مغرمينَ.
تمشي كمحتويات قصر الجوهرة،
تمشي كنقيضٍ للإنكشارية،
تمشي كمشّاءةٍ.
وأنا أصوّبُ نسبةَ أعضائها لأعضائي بقولي:
«عيناك عينا غريقْ
بعضُ انطفاءٍ فيهما، وفيهما بدءُ البريقْ
دمٌ مُراقٌ في يد، ودمٌ مريق».
طارت العصافيرُ من القفص
من هنا يبدأ اختبارُ مستوي الحضارة
وهؤلاء الذين لم يميزوا بين الكنايةِ والنكايةِ
سنعفيهم بقولنا: «أنتم الطلقاءُ»
حتى يناموا ليلةً قبل موعد الرقاد
ثم نمضي نوثّق الصلات بين النص والجنس
لكي يكون معني ما تقدم من سطور:
صباحُ الخير يا كتابةُ،
صباحُ الخير يا ختَمها المفترع،
صباحُ الخير يا جمهورية.
(1998- 1999)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق