الأحد، 9 أكتوبر 2011

الأبيض المتوسط

الأبيض المتوسط
حلمي سالم
(1984)


بزوغ
حنجرة في الميدان يصبحون.
ترُّش النوافيرُ باللبانِ والمِسكِ والليمون
جسمين عاريين.
جسمُ الفتاةِ طَيّعٌ كَلِيم.
جسم الفتي طيعٌ كَلِيم.
يتلاصقان
يتداخلان
يتسامقان
بحجم الميدان يصبحان.
* * *
الكائنُ الذي لا يختفي ولا يبين
مهيمنٌ علي نوافذ الحضور والاغتباطْ
هو الكائنُ السِراط.
* * *
يرشقون في تداخل الجسمين وردا
يتجمعون
يتراقصون
في بهجة البدن المصفَّي يركعون
ويسبّحون.
يتجردون
يتلاصقون
نارًٌ وأغنيةٌ وليمون
صار الميدان جسداً يدخل جسداً
إن لغة تكونت،
إن شعباً ابتدا.

(سبتمبر 1977)
يفعل السماء
موج السماء شارتي.
يدبُّ في عروقِ موسمي السمادُ ،
يحفرُ الشَّط وجهي علي كراسةِ السنين،
فافتحي وجهي،
وقاسميني خِلافتي للموج،
قاسميني جسمي المشحونَ بالرجالِ والحنين.
* * *
هي التي غَنَّت:
العشبُ في الأثداء.
ها أنا نذرتُ شعلتي
لرغوة الزنودِ لحظةَ ارتجافتي
بلذةِ السخونةِ الرءوم.
* * *
من السماء شارتي
فافتحي جسمي لرخة السحابِ، واقسمي معي تَمَدُّدِي
علي سُرَّة التراب.
جاء بحرٌ يعلنُ الدخولَ عند بابي
فاصرخي بغُنَّةِ الغناء:
الساحرُ الغامقُ الموشَّي
هلَّ لي، وهشَّا.
كان بعضُ صوته نحيلاً
وبعضه أجشّا.
> > >
الصهدُ يخرقُ الضلوعَ يغرقُ الجعارينَ تحتي،
ويطلقُ البقولَ من ضَفيرتي،
يفعلُ السماء.
* * *
هي التي تفَّحُ في المساء:
المُحاربُ الهَطُولُ يثمر الأطفالَ من ضلوعي،
فأكتبُ البحرَ في ثيابي،
وأكتبُ الشعوبَ في شبابي،
وأحصدُ الرحم:
ها هنا المدُّ دافقٌ ليغمرَ الشطوطَ والبلادْ
المدُّ رايتي،
ألا ارفعي يا طفلَة البحر رايتي،
المدُّ فاضَ في ناساً وأغصاناً،
أنا أشهقُ اندهاشةً وبهجةً،
وأطرحُ الحقولَ والرجالَ والفؤادْ.
* * *
هي التي غنّت:
العشبُ في الأثداء
والبحرُ صاعدٌ علي سفحي البليل
يزرع الثديين قبتين من تينٍ ومن يمَام.
* * *
البحر كُنيتي
أنا الذي سكبت خمرة خميرة في الدماء
وها هي الأرضُ تفتحُ النهدينِ والفخذين لي.
الأرضُ كُنيتي
أنا التي بالظما ألوبُ،
أرقدُ ارتقاباً لدفقةِ النماء.
الصهدُ صاهلٌ في عروقي
شقوقي يخضُّها المخاضُ، والصهدُ لافحٌ جلدي.
يا سيدي المدَّ خذني
خمَّر الصهدُ تاجي، مذّوباً رتاجي بجمره الكريمْ
ألا اعرفيني إذا فارت التلولُ بالاشتهاء
تفجرتُ فابعثِ الطمي بالارتواء:
جسمي الطري مفتوحٌ،
فيا عشيقي العفَّي هندس الخليجَ،
وارشق الطفلَ في، انني عريانةٌ
للجحيمْ.
* * *
طينةٌ تعلنُ انتماءَها لامرأة الأنوثة الطالعة
وهذه حفلةُ الحلول،
والانعتاقُ رايةٌ لأهلي.
والمدُّ يكتبُ الآنَ تاريخاً جديداً لشارتي
علي هذه المدائنِ الساطعة
ويفعلُ السماء.
(أغسطس 1975)
مرثية الفضاء ونخيله
تحطُّ العصافيرُ
في بقعةٍ تترجرج بين الرعايا وبين الرماح،
تحطُّ العصافيرُ: ليس لهذي العصافير إلا
تواريخُ مشروخةٌ وانطلاقُ النواح،
تحط العصافيرُ
في بقعةٍ تترجرجُ بين المَنَايا وهذا الصباحِ،
تحط العصافيرُ
كم يلزمُ الدربَ كي يغدَرَ السائرينَ
ويقلبهم بين وهمِ النواحِ وبين النواحِ؟
تحط العصافيرُ عند بزوغ جراحي.
* * *
أغني علي قُبَّرةٍ باتساعِ الدعاء:
يا مليحا وقتيلا
أيها المسّجي في ضيقِ الميادينِ الوسيعة
يا جميلاً في الفجيعة
غارقاً في اللظى، بليلا
يا مليحاً، وقتيلا.
* * *
فسّرِي بعض إعتامِ النخيل:
كنتِ ترشقينَ لحمي بفتنةِ الخالقين
وتحرِقين عَظْمَ روحي،
وأنتِ لا تُحرقين.
وتَدْلُقِين جسمي علي جثةِ العاشقين.
أأنتِ نهضةُ الشكِ في اليقين؟
* * *
وكان الفتي يلفُّ في البراري مرجَّعا:
أنت يا امرأةً من خيول المحبينَ
والراكضينَ إلي جهةٍ ليس يعرفُ شطآنَها غيرُ
من أبهجته الفجيعة، أو أطلقته المجامرُ في
لجَّةِ المستحيل.
وأنتِ باتساعِ المدائن
تطوفينَ في العروقِ
وراقصا كنتُ في الكمائن
موازياً لبرقةِ البروقِ
* * *
حادثة الاغتيال:
أكملتْ ضجيجها في ورودي
وبكتْ بكاءها الاعتيادي الأمين
وحين مارستْ طفولتها والغناء
أيقنتُ أن جسمها الذي يلوبُ شائقاً
هو عدوها الذي يشبُّ في الخفاء
فأكملتْ ضجيجها في ورودي
وحطمتْ قصيدتي.
* * *
حروف بارزة علي النخيل:
لملمي غناءكِ الموجعا
لن يرجعَ الزمانُ ماضيعا
(مايو 1976)
وجوه علي قنديل ومرآتُه
يسوحُ
يهدُّهُ المغلوقُ أم يهُّدهُ المفتوحُ
دمٌ مسفوحُ
يصيبُ اذ يبوحُ.
هذه نارٌ تسوق خطوتي في الدماء
دماءٌ تنطُ لي بغتةً بحجرتي في الغروب
تخشُّ تحت الملاءاتِ في المساء
وفي آخر الهزيع تخرج:
جثةً لقتيلٍ تسيرُ فوق البلاط.
احتمال:
في حجرتي نخلةٌ ترقدُ تحت سريري
تشُّكني وتمتدُّ عند سقفي الهابط
ساعةَ الحراكِ أو ساعةَ السكون.
كومةٌ من النخيل كَفَّنتني وأنشدتْ عند بابي:
يا كحيلَ العينْ
يا طري السِنْ
يا جَلِي الحُسْنْ
اخرجْ وكُنْ

دمٌ يفلت مني:
ذاهبٌ صَحْوٌ، وصحوٌ يجيء
قطيفةٌ من حديقة السماء
منثورةٌ علي قُبَّةٍ من العُشبِ الرديء
ذاهبٌ صحوٌ، وصحوٌ يجئ.
أكشُطُ الدُّملَ الذي علي سرتي
أتابع الدماء في وسائدي:
تميل باتجاه الماء.
أميل باتجاه الماء.
أنحاز صوب ذاتي إذا بنخلة يقظانةٍ تشدني
صوب سكة البحر أو صوب سكة الصحراء.
سريالية النخلة:
اكتملتْ ببدني صعودا
وفي حجرتي دُمَّلٌ يصدُّ في دماغي
كلما ولجتُ حجرتي
يقعد عند ساقي، ثم يصعدني إلي جبيني
قال مرةً لي: متي يكونُ انفجاري؟
بحرٌ رمادي صاح بي:
ببطني صبي يمشّطُ الضفيرةَ الجذلى علي الماء
ببطني عويلٌ وبكاءْ.
هذا عويلٌّ يشبه انتحابي
والكومةُ التي كفنتني وأنشدتْ عند بابي
تتابع الإنشاد:
طالعٌ من المدى تَياه
مُوغلٌ في شعبية المياه
هاجرٌ مجراه
خالطٌ علي حياةِ أشيائِه حياه
طالعٌ، من المدى تياه.
احتمال:
رجلٌ يجدلُ العباءةَ السوداء
ويلقاني كلما خرجتُ مشدوداً علي لحمي
ويصفُّ ارتعاشتي مَطَراً
بحجرتي صحراءُ كامنةٌ تحتَ كتابٍ قديم
تنسلُّ تحت الغطاء
وتنام في صدري لكي تبوح:
في حَشَاي نخلٌ وينبوعٌ، سبيلٌ للقادمين.
* * *
الصحراءُ صارتْ بمستوي حنجرتي،
حينما كنتُ في صباي أعبثُ بالفيزياء:
أحطُّ في مكان السماء غابةً مدبَّبه
أحطُّ في مكان القرى سحابه.
وأقلّبُ جوفَ كينونتي لأعلنَ أن:
1 - جميزةً في وسادتي الصغيرة
2 - مادياً في المعنوي الدفين
3 - حريقةً في الماء
4 - القتيلَ مني، ومني القتيل.
إعجن الصلصالَ واصنعْ صبّياً يشبهُ الأشياء
إعجنِ الصلصال واصنعْ برتقاله.
(هكذا كانت وصّيةُ الذي يجدلُ العباءةَ السوداء)
* * *
نساءٌ يخرجن من بيجامتي المعلّقة
فارعٌ بين النساء ينشدُ النشيدَ مارقا
وحارقا.
رؤيا:
أمشي وراءَ دمي: هنا كينونةٌ تتقّلبُ، جسورٌ
خلفَ الجسور، أنسفُ جسراً وأدلف، يشتد
طَرْقٌ علي رئتي، الكيانُ يوغلُ بي مهشَّماً جغرافّيةَ
الصعودِ والهبوطِ، وأشهدُ:
مرآةً محطّمةً علي نيلْ
ونِدَفاً من وجهٍ نبيلْ
أنسفُ جسرآً وأدلفُ، سقيفةٌْ وقومٌ ولهجةٌ
وسماءٌ. أنسفُ جسراً، نخلةٌ أم رجلٌ؟ أنسفُ
جسراً وأدلفُ، أشاهدُ الذي يجدلُ العباءةَ السوداء:

أسميه عبد المنعم تليمة:
يصبُّ في جعبةِ القومِ شيئاً من البقول
يصنعُ الطائَر البحري، يطلقُه في الرمادي المستطيل
يعجنُ الصلصالَ راقصاً.
* * *
عُفارٌ، وبَرْجَسَةٌ، ودُفُّ
طائرٌ يرِفُّ
تلفني عباءةٌ من حشائشِ الفضاء
وأري أن ماءً تحت قمصاني وأوتاراً
وأن في ثيابي عُفارآً وبرجسةً وسهماً.
* * *
أعاين وريدي
في وريدي صِبيةٌ ونشيجٌ وجوقةٌ وساحه
وِندَفٌ من وجهٍ جميل.
هنا ناسٌ يشبهونَ نبضي أو وريدي
ومنشدٌ ينشدُ النشيدَ مارقا
وحارقا.

أسميه الشيخ إمام عيسي:
كعكٌ، وقُلةٌ، ثريدةٌ مباحه
واقفٌ في سَبيكة الجموعِ والمعذّبين
يلفّعُ الصبايا سُلوكاً من الخُرافاتِ أو سلوكاً
من الماءْ
وهو العَمُودي فوقَ البحرِ والصحراءْ.
* * *
أقول: لَفّعني بِسلكٍ من سُلوك النبيين
لَفَّعَني بما طلبتُ باسماً ومُنشدا:
الصبي في المياه
يختمُ الحياةَ بالحياه
الصبي في المياه
ناسجٌ في الثَري ضِياه
الصبي في المياه
مُزَوَّقٌ، تَياه
* * *
رؤيا:
عمودياً كنتُ علي الماء
أعجنُ الصلصالَ في جسمي وأسألُ:
من ذرَّ بحرا علي قميصي المغموسِ بالدماء؟
أُعيدُ صلصالتي لشكلها الابتدائي:
هذه الأشياءُ جزءٌ
والبحرُ في قميصي المثقوب
والكائنُ استبان.

إنه علي قنديل:
كلي، وجوقةٌ من مسيرةِ الفقراء
ناسٌ يشبهونَ نبضي أو وريدي.
مختلطاً بالنساءِ والغناء
كنتُ أبتدي عويلي الطويل:
زفُّوهُ للجوهرِ المكنونْ
زفوهُ للمدي والجنونْ
زفوه للجوهر المكنونْ
فهو البهاءُ والفُتُونْ
زفوه للجوهرِ المكنونْ
لفوه في دُرةٍ من: كُنْ
وضَمّخُوه في سَنَا: يكُونْ.
كائنٌ يدّثر الجميلَ بالعباءه
ويرُّش في المدى وجنتيه كهرباء
كائن يلفّع الجميلَ بالنبيين والبسطاء
وهذه وردةٌ منتصبةٌ علي الماء الرمادي
أسّمي نبضةَ الأشياء جسدي
وأمضي علي صَهْدةِ الفعلِ المضارعِ
صوبَ صهدٍ شمولي وسيع.
أستوي في أبهّاتي والدموع
وأدخلُ إلي العَرَافةِ موسيقياً:
الصبي في المياه
يختمُ الحياةَ بالحياه
وأنا أتكي علي الدماء
أخشُّ في فجيعةِ الوردةِ المُقبله
قاضمآً برتقالة المَرْحله
وقَلبُها:
مرآةٌ تهشّمتْ علي نيلْ
ونِدَفٌ
من وجهٍ
نبيلْ.
(أكتوبر 1975)
الصعود إلي المبتدأ الأبيض المتوسط
يمكنني أن أدخل لُبَّاً،
وأفضَّ الخَتْمَ المختوم.
* * *
أفتح قوساً:
ساقاي مضرَّجتانِ بدّم
والأشياءُ زمانٌ
ووطنْ.
أُغلق قوساً:
هي الفتاةُ لبٌّ للفجيعة
ماسكةٌ جحيماً يشبه العَلَمْ
والساقانِ مغلولتان.
* * *
موتٌ سامقٌ وثلجي
تحت سيارةٍ صفراء
والخيبة المصريةُ السامقة
سامقة!
الفتاة لُبٌ للفجيعة
خارجةٌ من خزانتي ملفوفةٌ بالعَلَمِ القتيل.
عاصيةٌ هي الأشياء
عاصيةٌ هوّيتي.
* * *
أَدقُّ عموداً جافاً في تربةٍ مطيعه
أَدقُّ شجرةً - مقابلاً للتواطؤ.
أورّخُ لي:
أَبدأُ مَشْيي صوب الجسد - اللبّ - الفاجع
أنهي مشيي نُوقاً تحتَ السيارات الصفراء
والساقانِ مضرّجتانِ بدّمٍ متكلم،
أُراقبُ:
شجرةٌ صادمةٌ ورواغةٌ مربوطةٌ في بطاقتي الشخصية
هذه اللغةُ المضادةُ - العلَمْ.
أَتساءلُ:
هل هذي اللغةُ الصّعادةُ - صعادة؟
أُجرّبُ فعلاً أمراً: كن
أجربُ فعلاً مضارعاً: يكونْ.
أفتحُ قوساً مختلفاً:
ساقاي مضرجتان بدّمٍ متكلم
وقبور تتورمُ بين الحمراءِ وبين البيضاء
هل سياراتٌ صفراءْ؟
* * *
الوقوفُ بين الخرافةِ والمادي:
زارٌ رمادي
أفقٌ وقومٌ جائعون
ترنسندنتاليزم:
تحتي شجرةٌ مضرَّجةٌ بدم
كَتبتْ علي فخذي
قِفْ في الادراكِ لا في الفهم
أنا أُجهزُ الجياد
(هل ثمةَ لغةٌ تحتَ اللحم؟)
فتاةٌ خارجةٌ من خزانتي الجريحة
تخربشني وهي تكتُب أمرا:
خذِ الكتابَ بقوة.
ترنسند نتاليزم:
أَتركُ إقليماً،
أَسكنُ إقليمآً،
(شجرةٌ
هي أنا حالَ كَونْي عالياً)
بين النيرفانا والطعنةِ تُخلقُ لغتي:
الجسدُ البشري يمَسَّكُني مصباحآً
ويسَيرني في أبهّةِ المادةِ والحلم -
أقصدُ أُبهةِ الأرضِ السمراء.
* * *
الاستسقاء عند الكيلو 101:
وبرٌ مخادعٌ،
خبزٌ مخاتلٌ،
وأثوابٌ من السراب.
فطيرةٌ في دماغِ القومِ مدسوسةٌ
نوقٌ مهرولةٌ صوبَ الهيولّي،
وشجرٌ عسكري.
* * *
الفتاةُ عند القيلولةِ تندقُّ
عموداً مناوئاً علي الشريطِ الصحراوي
(عموداً في تُربةٍ رافضه.
شجرةً- مقابلٌ للتواطؤ)
* * *
أَتساءلُ:
هل فوقَ اللغة الدم السياب؟
وهل آن لي أن أفتح قوساً صعباً مستخلصاً حكمتي:
ساقاي مضرّجتانِ
وعلي القمصانِ الشفافة بقعٌ من لزجٍ قانِ
والأعضاءُ بلادٌ وسماءٌ وخراب.
بين الدمِ والسماء
فتاةٌ - وتراجيديا لجسدٍ بشري
وأنا.
* * *
أنا قابلتُ مدينةً متهمةً في عِرضها الثليم
ومدينةً متهمة بالقتل الجماعي
وقابلتُ تحتَ لحمي مدينةً.
أتزحزحُ عن جبلِ النيرفانا الأسود
تحت اللحم أكون:
جرحاً يبدأ من حنجرتي
وينتهي في ميادينِ الهزائم.
هوية مفتتة علي أسفلت الطريق
معّلقةً علي برجٍ نحيل.
إقليماً يبدأ من تاريخ مولدي
وينتهي عند انكسارِ المستقيم العليل.
أوّرخ ثانية لي:
اللغةُ المقابلةُ جرحٌ
وجمهوريةُ مصرَ العربيةُ هي المستقيم
وسيارةٌ صفراء.
* * *
هل أركضُ غامضاً فذّا؟:
16/6/1951
خيطٌ بين الأسطورة والسكين
ومزيجٌ من عَلَمٍ يتمزق
مزقةً في الدقي
ومزقةً علي مائدةٍ في خيمةٍ علي
الطريق الصحراوي.
وبينهما النياشينُ مطفأةٌ.
* * *
أخذتُ زاويةً ملائمةً للوثتي:
تبدأ الزاويةُ من قرية الراهب
حتي خضوعي لشهوتي في الجسد الأنثوي البليغ
مارةً بالبحر الأبيض المتوسط.
ثم أخذتُ زاوية ملائمة:
هويةٌ رقم 19142 مفتتةٌ علي أسفلتِ الطريق
معلقةٌ علي برجٍ نحيل.
هنا سأفسر غابةً بالسيارةِ الصفراء
وبالشجرِ العسكري
سأبدّلُ النيرفانا بطلقةٍ وشعبٍ
وبركةٍ من دمْ.
* * *
أصنعُ في هارمونيتي خَلَلاً مفاجئاً وأكتب:
عصيةٌ هي الأشياء
عصيةٌ هويتي المشردة.
قلتُ: الأشياءُ مستغلقةٌ والنيلُ فاهمُ
قلتُ: الصعودُ للغّاتِ تحت لحمِ المعذبين
قلت: واسعٌ هو الضيقُ القاتمُ:
To Be Or Not To Be
والأرض قادمة.
* * *
أتقمّصُ من أبو للينير ليمونتين فاتحتين:
«النافذةُ تنفتحُ كبرتقالة.
ما أجملَ فاكهةَ الضوء.»
أَنزلُ من النيرفانا والترنسند نتاليزم
أدنو من بلادي وطيني:
حان أن أصنعَ جغرافيةً خاصة بي:
أحط وطناً مكان وطن.
حان أن أصنع تاريخاً خاصاً بي:
أحط زمناً مكان زمن.
وحان أن أمجّد صرختي تمجيدا
(هل أقول حانَ أن أختمَ وجودي
ختاماً لائقاً؟)
(يناير 1976)
إشارات:
  • الترانسند نتاليزم، فلسفة العلو أو المفارقة.
  • 16/6/51 تاريخ ميلادي، 19142 رقم بطاقتي، الراهب قريتي.
* * *

دُجى سيد سعيد وغسقُه
قال لي: أنا لا أقرأُ،
إنما أُقرأُ.
قال هامساً في دجاي:
شدَّني إلي البساتين في دياجيري،
وينبوعةٌ ترتدُ في اندهاشتي وصورتي،
إلي الخفاء
* * *
يكتبُ عندي:
أفتحُ الكتابَ - إذ أفتحُ الكتابَ - كي يعرفَ انتمائي
أُري نفسي لنفسي.
في حين سرَّ لي: وجهُها حزين.
أقول: أتلفَ الفؤادَ فيك شوّافونَ
أتلفَ الفؤادَ فيك العاشقونَ والشهداء
قال: فلتصغوا إلي ما أُصغي إليه في البيداء
إذا ما أتي لخيمتي قائلٌ يقول:
«اقتلوني يا ثقاتي
إن في قتلي حياتي»
فأصغينا إلي القتيل الجميل.
(2)
أ- أناملُ المساء لامستْ جدائلَ الخضراء.
ب- بَدَني يهاجمني في طريق ترابي ظليل
جـ- جبلٌ أمامَ حدقتي:
      جريمةٌ تُري في مدي الكهرباء.
      أم جسرٌ إلي الجنون الجليل؟
* * *
قال: واسعةٌ حقولُ الجهالة الورقاء
ضيقٌ هو الفسيح
(كان يجري حافياً،
كان مُمسكاً مشهداً حامضاً في يدين
ملسوعتين،
يشدُّ باكياً نجمه المضئَ،
يخلعُ ثوبه البليل في الكادر الباهتِ
( وقيل: كان غافياً
علي شرفةٍ وراءها خلاء)
* * *
أسرَّ للتي وجُهها حزين:
أنا الذي صحتُ: يا ضوءُ ِيا مضَّببُ انطفئْ،
كي أغني علي الجسور ما ادخرتُ من فرحي.
فانطفأ
حينما ابتدرتُ ذلك الطحلب الجميل غنوتي
وظل في جلبابي
يعضُّ أعضائي رقيقا.
* * *
تري هل أبتني بيتاً علي ناري؟
أم أبتني علي الوردةِ البيوت؟
* * *
قالت التي وجهُها حزين:
أكونُ في عريي وراءَ اللحن منتظره
أكونُ في الشجره.
* * *
(3)
كانت الخضراءُ تقرأ النوتةَ القديمة
وترتد جهة البرتقالِ حينما تبوح:
دو - دورٌ حزينةٌ مغطاةٌ بدّم العازقين
ري- ريحٌ، وأوطانٌ تدحرجتْ تجاه جرحها العميق
مي- ميقاتٌ، ومولدٌ، وموكبٌ مغايرٌ يجئ.
* * *
قالت الخضراء
نشتري عشباً لكوخنا، ونافذة.
وراحت في غناء - صولو:
ويحي علي قلبي
في عتمةِ الدربِ
دربُ المآسي طال
ليت الرَجَا ينطال
دمعُ المآقي ساح
والليلُ لا ينزاح
أشعلْ دجى قلبي
في عتمةِ الدربِ
فاشترينا حائطا وملاءةً وأرضاً وأسماء،
ورحنا إلي الذي رأي البستانَ، قال:
كونوا علي البحر حينما يكونْ
وافرحوا بالظنونْ
* * *
جاء صوتٌ صارخاً في الفضاء:
أيها الشوقُ الحبيسُ للجنائنْ
مبقورةٌ بطونُ هذه المدائن
(وكان صوتي)
(4)
أخذَتني إلي ساقيها المهندستين
صاحت: تكونُ في انفراجةِ الاسطوانةِ الجارحه
بينما المغني يطوف في تكوُّمي الضئيل:
قلبي يحدثني بأنكَ متلفي.
نامت علي التراب العليم
وكان نائماً يخبُّ في البحيرة العليمه.
* * *
هي الخضراءُ تبكي وتفتحُ القميصَ لي:
دلَّني علي الحقلِ الذي فيه أشجاري.
دللتُ خضرائي إلي أشجارها،
بادئاً رحيلي إلي وطنٍ تدحرجَ في اتجاه
جرحهِ العميق،
وخارجاً إلي البكاء.
وكان الصوت غارقاً في:
أتفرُّ من كَبدِي
يا طالعاً كبدي
أتموتُ في كبدي
يا مُحيياً كبدي
أتشقُّ لي كبدي
يا مُرتقاً كبدي؟
مثواكَ في كبدي
مثواكَ في كبدي
* * *
ما فررتُ في كبدِ الغناء
فكنا ممدّدينِ في اسطوانةٍ غريقةٍ جارحه
اسمها:
قريحةٌ
قارحهْ.
وما فررتُ.
(نوفمبر 1977)
- سيد سعيد مخرج سينمائي وقصاص
- اقتلوني يا ثقاتي : للحلاج
قلبي يحدثني بأنك متلفي: لابن الفارض.
* * *

شين، عين، راء
أنا جننتُ فاتقوني:
رعبٌ يعمّدُ الفؤاد، رمحٌ يمزقُ الضلوعَ، كون يوّجعُ
العيونَ في، نجمٌ كلَّمَ ابتهالتي، قال:
سيدُ العارفينَ أنتَ، سيدُ العالمينَ أنتَ،
لا تلزمِ الصمتَ، لا تلزمِ الصمتَ، تكلم.
* * *
أنا خائفٌ وفرحانُ في خوفي،
جسمي بهيجٌ ومطلوقٌ علي سلاسل الأعضاء،
جسمي فاتحٌ شرفةً علي جنينةِ البرتقالِ. خائفٌ
وفرحانُ، يا تري هل هي النعمةُ الرءوم أم هي
النقمةُ السموم:
دثريني، دثريني
ورطّبي لي جبيني
النارُ في عيوني
والريحُ في يقيني
2
إنها الشجرةُ التي تمدّدت في حشاي: سُمّي
إنها الشجرةُ التي تمدّدت في حشاي: عورتي وعاري
أيا عشّاقةً تحلمُ الحلمَ الجميلَ باضطجاعها في
ضلوعي إن شجرةً تلبسّتني وشققتني
فلا تعشقيني أو اعشقيني:
أنا مخالفٌ لعقلي وجسمي فلا تعشقيني أو
اعشقيني،
أنا في ارتباكةِ الخلقِ، خائفٌ وفرحانُ،
والشيءُ الذي يهسُّ في هسَّ في
هسةً شهيةً، أنا اضطربتُ، ماذا تُراي
قارئٌ: بحرآً أم تري ثماراً؟
ثماري تفجّرت والبحر منفجرٌ، قال لي: أنتَ
منذورٌ للفجيعة.
* * *
هي شجرةُ الكتابه
الجوعُ والرعبُ والغبطةُ - الكآبه
الماءُ واللهيبُ والوردةُ المصابه
والهلاكُ في السؤالِ والاجابه.
* * *
في ارتباكة السماء سُحتُ.
خائفٌ وفرحانُ، حاملٌ رصاصةً فعليةً ستشطرُ
الواحدَ الكمالَ شطرتين: عاشقاً ومعشوقاً.
انفطرتُ. هذه الشجرةُ قسّمت جميعي،
كأنني انفتقتُ عن ضدين توأمين. والشيء عاد هسّ
في هسّة دفينة. سمعتُني أضيعُ في سؤالي:
أكتبُ أو لا أكتبُ؟
الشجرةُ التي تجذرت في أشاعتني علي الأرضِ رائحةً
من الكبريت والزعفران.
الصمتُ والكلامُ غابةٌ، وغابتي تفتحُ النخلُ جثماناً،
وجثماني يستحيلُ في جماجمي سؤالاً، السؤالُ:
أكتبُ أو لا أكتبُ؟
يا شجرةُ اعرفيني وفهّميني:
أأقطفُ البرتقالَ ثم أكتبُ: يصعدُ صاعداً؟
أأقطفُ البرتقالَ ثم أكتبُ: يدخل داخلاً؟
أأقطف البرتقالَ ثم أكتبُ: يكشفُ كاشفاً؟
الشجرةُ استطالتْ وأومأت أن اتبعْ رفيفي،
تبعتُ، قابل الرجلُ اختلالتي، وقال لي:
امتلكْ ما وُهبتَ، أنت منذورٌ لطعنةٍ العشقٍ
والكلامِ، فاعشق وتكلم.
قابلْتني:
صاحت: انهضْ يا مدّثراً بالدماءِ، هذه
الأرضُ المدي فاقبض المدي الذي وُهبتَ،
قلتُ: هل منحةٌ؟ قالت: المانحُ البحرُ
والخيولُ فاحضنِ الأرضَ فالأرضُ البتولُ، قلتُ: وعرةٌ.
قالت: الأرضُ زهرةٌ ففتّحِ الزهورَ، قلتُ
: مُرةٌ. قالت الأرضُ جمرةٌ تموج فاقذفُ
الجمرَ، قلتُ: أين؟
قالت: المدي اختزلتهُ بين حاجبيكَ فانظر،
رأيتُ نافورةً بعيدةً. عنفتّني: ألا أمعنِ
العيونَ والفؤادَ. رأيتُ شعباً من النوافير
ينداحُ أشلاءَ، قالت اقترب وأمعن:
رأيتُ جثتي علي الرمال مبذورةً جنداً
وأعلاماً ملّوثةً بقيحي وأعضائي.
فقالت أصرخ، قلتُ: آه من زيف أنبيائي،
قتلوني من الظهر قتلوني.
* * *
هل أنا مرعبٌ ومرعوبٌ، اشهدوا تحوُّلي:
نخلةً ينحلُّ جسمي، والنخيلُ يستحيلُ نيلاً،
ونيلي مرّكبٌ علي شكلِ كونٍ ضبابي،
وكوني مهندسٌ علي استقامة البدن.
والبدنُ كانَ للذي يلقاني، قال لي:
انهض واعبر الجسر تلقَ المرأةَ العاشقة،
المرأةُ العاشقة كانت علي العشب منطرحه
سمعتها تقول: أنت لي.
رأيتُني أكتبُ في بطنها شيئاً يشبه اسمي،
وغطيتُ ساقيها بكلمتين: طفلٌ جميلٌ،
وجدتُ باباً، طرقتُ، قيل: مَن؟ قلت:
نهداكِ رائقانِ رائقانِ. قالت: ادخل.
دخلتُ.
قالت: اكتبْ، كتبتُ فوق نطفة تسيل من
مشيمها الجليل: أنا حلمي فقومي.
* * *
ما لهذه المدائنْ/ مبهمةٌ أليفة؟
ما لهذه الجنائنْ/ وديعةٌ مخيفة؟
نارُها قطيفه
وأشجارها شفّافةٌ كثيفه.
فويحي من الوخزةِ الرقيقةِ العنيفه!
* * *
الجمرةُ اخترقت الرئتين، فاشهدوا كياني يهاجر من
مفرداتي التي شَوَتْ جلدي.
سمعُتني أقولُ في مسيري: أهذه الأرضُ لغةٌ جديدةٌ؟
وكنتُ أعني: أهذه الأرضُ محنةٌ جديدةٌ؟
قال لي الذي يقول لي: أنتَ منذورٌ لطعنتين:
طعنةِ العشقِ والكلامِ، قلتُ فتّاكتان. قال:
عمَّدتُكَ انطلقْ، فخلتُني أقولُ للعشيقةِ: اعرفيني،
فبعدَ لحظةٍ أكتبُ:
2
شين، عين، راء.
يا محنةَ الشعراء.
غزالةٌ وحيدةٌ تموتُ في العراء.
مدينةٌ تسير للأمام والوراء.
شين، عين ، راء.
* * *
أقولُ خائفٌ وفرحانُ في خوفي:
رأيتُني أمتدُّ حتي أصبحَ اشتباكآً مع الوجود.
والوجودُ حطّ مقلتيكِ تحتَ حاجبيه،
فابتهجتُ وارتعشتُ حينما لمحتُ فوق أنفكِ
الشامةَ ، الشامةُ: الدليلُ والعلامةُ، العارفُ
العرّافُ قال: إنه النجمُ أرسلني لأعطي لكَ
الشجرةَ. الشجرةُ استطالتْ علي جسمي وكونتْ
شكلَ جسمكِ البهي. قال: أنتَ منذورٌ لطعنتين،
طعنةِ العشقِ والكلامِ، فاعشقْ وتكلمْ.
تكلمتُ.
قلتُ كنتُ الفتي الفردَ القتيل،
قال تكلمْ، تكلمتُ، قلتُ كنتُ ياقوتَ جيدها
الأثيل،
قال تكلم تكلمتُ قلتُ كنتُ للوجود صاحباً وكنتُ
للوجودِ فتنةَ الغريم،
قال تكلم تكلمتُ قلتُ ها هنا اللغاتُ ما
فضَّ ختمَها الكريمَ فحلُ التصاوير،
قال عمَّدتُكَ انطقِ الوجوبَ، قلتُ: شين،
قال: زد، قلت: عين، قال: زد، قلتُ راء
قال أفصحِ البلاغَ، قلتُ: انكساري وانتصاري.
* * *
دثريني دثريني
ورطّبي جبيني
النارُ في عيوني
والريحُ في يقيني
* * *
خائفٌ وفرحانُ في خوفي.
أنا الأشجارُ والأشجارُ بعضي،
فانظروني أخلعُ الأثوابَ صاعداً فوق تلي
غير محمولٍ سوي علي بدني،
وغيرَ حاملٍ سواه في جماله،
أنا الجميلُ فارقبوا جثةَ الجميل تنحلُّ في النهر ماءً
وفي الماء موجاً،
وفي الموج شطّاً مخصّباً بالزرع والنساء.
* * *
هذه الكهوفُ مظلمةٌ، مضيئة
والغابة الجموح مكشوفة خبيئه
ومهجتي:
جبانةٌ، جريئه.
* * *
ممسكاً بأشجارٍ ثقيلةٍ كنتُ بين وعيي وغيبوبتي،
غزني الذي يغز غزةً فتيةً، نهضتُ
شفتُ كائنآً حلواً وسيالاً، فحدّقتُ
قائلي القوّال قال: قمتَ؟ قلتُ: قمتُ
قال: غسَّلتَ ضلعكَ القديم، قلتُ: غسّلتُ،
قال: خشَّ في عباءتي وأبلغ البلاغ، قلتُ:
سين، حار، راء،
قال: زد، قلتُ: حاء ، لام، ميم، ياء،
قال: زد، قلت: واو، طاء، نون،
قال: بين الغموضَ، قلتُ: نارٌ ودمٌ،
قال: وضّح الوضوحَ، قلتُ: الأساطيرُ والسكاكينُ
والسجونُ والجنون،
قال: سِرْ، فسرتُ، قال: ماذا تري؟
قلتُ:
بلاداً بها ناسٌ يموتونَ،
وناسٌ يبعثونَ ويطلعونَ خارقينَ،
هذه طفولةُ الأرضِ أم أرضُ الطفولةِ؟
الخارجونَ أطفالٌ بحجم سُرَّة الأرضِ،
والأرضُ كلمةٌ كبيرةٌ كبيرةٌ، قال: قلها،
قلتُ: بدءٌ، قال: صِرْ،
صرتُ القصيدة.
(أبريل 1975)
خطوات
(إلي لميس: بنتي)
تا..
تا..
تا..
حصانُ فرحٍ بقلبي يبدأ انفلاتا..
تا..
تا..
تراقصتْ عيونه - حصاني البهيجُ - حين غازلَ
البناتَا..
تا..
تا..
لوثةٌ طفوليةٌ تعني انتباهةً إلي نُطفتي وأَنَّتي
، ولوثةٌ طفوليةٌ تعني إلي حريقتي وآهتي
التفاتَا..
تا..
تا..
تينتي وزيتونتي تُوعدان بالتفاتيح والتباريح،
حين أُعطي إلي النباتةِ التي تشبُّ في
سريرها النباتَا..
تا..
تا..
تيكَ تمرةُ الولاهات والصباباتِ
والولاداتِ التي تلمُّ من تَفَاتُتي شَتَاتا..
تا..
تا..
تيكَ توقدُ التلولَ لي، وتيكَ توقظُ الساكبَ
الهتونَ والفتونَ، تيكَ تُوحي حياةَ حي
للذي كانَ ماتَا..
تَا..
تا..
تيجانُ ماءٍ يخضُّها الساكتونَ أو
يخضُّها الصائتونَ، تيجانُ كائناتي الكامناتِ عند
تلويحتي وشارتي..
تا..
تا..
تَانَكَ الطعنتان فاتتا
فأَصمتَا ثم داوتَا عاشِقَينِ حين مرّا بباب ناري
وفاتَا..
تا..
تا..
تباغتت مهجتانِ بغتتين حين أطلقَ المعاندُ
الضئيلُ في المهجتين راقصاً بغَّاتا..
تا..
تا..
تاركآً تاجي وتهيامي بفضتي وعاجي،
وتيهي بزبدتي وذاتِ إنيتي أجئُ،
تاركآً خصوصتي وتاريخ نبرتي أجئ:
أعجن الصحوَ في الصحوِ
أو في السُباتِ أَعجنُ السُباتَا..
تا..
تا..
تابعي زماني وغُنَّتي،
وتابعي بكائي وجُلوتي،
تابعي خرافةً مجزوءةً من خرافتي،
وتا..
تا..
تُوقي إلي تيني، وواتيني علي
شراييني، وخشّي لخلوتي.. تا
تا
تاعسان يتبعانِ في هواهما نصلين:
واحداً يبتُّ مهجةً وصّالةً
وواحداً بتّاتا..
تا..
تا..
تاخمي حدودَ دمعتي علي يمامتي التي
تفتُّ مقلتي لكي تري الجنون كوكبين:
تا كوكباً مفّتتاً شملتي
وتا كوكباً فتَّاتا
تا..
تا..
تيهانِ عند تينك البليلِ: تيهٌ أضَّل رحلتي،
وتا.. تيهٌ يصيحُ في ضلالتي: نجاةً نجاتا..
تا..
تا..
تامرينَ نبضتي وتومئينَ للتابعينَ في لحمي
قيامةً وميقاتا..
تا..
تا..
تلُّ عابدينَ جاءَ عند مالكي الضيئلِ كي يقتاتا
2
تا..
تا..
تلُّ تائبينَ عن جرائر التباتيلِ والتراتيلِ تابَ،
تلُّ تائهينَ عن ملاءة الكائن الجميل آبَ، راكعاً
لكائني الذي استطالَ ثم تاتا..
بأرضه الوسيعةِ: النيلُ كانَ مهدَه، قماطه
الفراتا..
تا..
تا..
تائبونَ توجَّ الجميلُ جرحهم مواسماً مواسماً
وأعطي لمهجتي الفتاتا..
تا..
تا..
نام الجميلُ والضئيلُ تا..
تاركاً قلبي مفَّرقاً أشتاتا..
تا..
تا..
فويحتي من المليك الذي تا..
ولهفتي علي حصانِ عمري الذي يبدأ انفلاتا
تا..
فمن يوقفُ النهرَ الذي تا.. تا..
بعدما تحررتْ أعضاؤه وتا.. تا..
تا..
تا..
(القاهرة 1980)
* * *

فضة من أجل فيينا، وقبران
كان الفتي كانْ
خارجآً من قتامةِ الدموع والمكانْ
وكان الفتي : يكونْ
صارخآً في جثةِ الهمودِ والسكونْ
وصار صارياً:
قلوعٌ قلوعٌ قلوعْ
نار سخيةٌ حطّتْ علي الميادين والجدرانْ
وعرشتْ علي المروجِ ريحآً وريحانْ.
جسمان في الفضاء يسبحان
هل موقتُ الجحيم حان؟
تلويحةٌ وآهتان
دمعتان مخبوءتان وارتعاشتان مكتومتان
خفقتان قالتا: آن السعيرُ آن.
* * *
وهذه قلوعٌ تشدُّها قلوع.
أسماكٌ عظيمةٌ تقول:
هذه مدائنُ الخيانات والشواطئ القتيلة.
حوتٌ نقي أتي إلي نام في زعانفي ثم عضّ خيشومتي
وفات لي وعداً وأحبولةً فتيله.
ماءٌ ملَّغمٌ بالكباريتِ والكوارثِ النبيله.
أسماكٌ عظيمة تقول:
هاهنا حُمولاتٌ ثقال.
هاهنا فجيعةُ الجمال.
* * *
يخرج القدماء في العراء
ويصرخون:
واهِ وي
كوةٌ كوتْ كليمها الكليمَ كي
وغابةٌ غوتْ غريبهَا الغريبَ غدرةً وغي
واهِ وي
أقئ عالمي القمئَ قي
وها مدائنُ الميولة التي تميلُ مي
فأي جثة علي يدي أي
وواه واي.
صيح بي:
طائراتٌ طائراتٌ تحملُ العاشقينَ والسارقينَ
للجزيرة التي يرقدُ الرجالُ في عشبها العقيم
طائراتٌ وتجريم.
قال: لا ترحلِ الرحيلَ خلِ مقلتيكَ مقلتينِ لي
أنا شطيركَ الموقوفُ في زنزانةٍ تختمُ الشعراءَ
بالمُثول والرغوةِ الصحفيه.
طائراتٌ في قوائمٍ المعلنينَ عن خريطةٍ فريدةٍ
للتراجعِ الربيعي الأنيقْ
وعن شارةِ فضائيةٍ للغريقْ
أنا سميكَ الصليبُ لا تذهبْ فجوهرةُ الذهابْ
ترابٌ علي ترابٍ علي ترابْ.
وأسماكٌ عظيمةٌ تقول:
كان الفتي ماءْ
يدحرج الأرضَ للسماءْ
يسقسق النداءْ:
يا..
يا..
يا..
جذعُ جمرٍ في حَشَايا
يا مشقّقاً مَدايا:
يا قُوتَتِي السؤالُ: هل أنا..
سوا يا؟
* * *
الجَوهري في الرؤي يجئ:
بلاد تأوّدتْ بين حربتين مشحونتين
تمتصُّ عضواً ذكورياً صاعداً من جثةِ العالمِ الذي
يسمونه ثالثاً
مهمومة بتطوير ناهديها وابتداع جورب درامي
يشعُّ في مؤخراتِ المسافرينِ والقادمينِ في:
West Bahn Hof
غزالةٌ ملسوعةٌ تطوفْ
لا المراعي وسيعةٌ ولا تروي غليلَها القطوفْ
عطشٌ منمقٌ علي حلمتين،
وتبدأ ارتعاشهُ الدفوفْ:
(نهدٌ - نهدانِ - نهودْ.
قططٌ، غاباتٌ، ينبوعٌ، فحّاتٌ، لبؤاتٌ، وفهودْ.
نهدٌ- نهدانِ - نهودْ.
نهدٌ: نهرُ يتفتّقُ، ملتئمٌ يتمزقُ، خلجانٌ تتحققُ،
أرضٌ تتشققُ، مبتردٌ يتحرقُ،
جبلَ صلدٌ يترقق، سيل مغلول يتدفقُ،
برد وسلام في الشجر المصهودْ.
نهدانِ: جريحان يذوبان، غيابان يئوبانِ،
رجيمانِ غريبانِ يتوبانِ وليس يتوبانِ،
عليلانِ يطيبانِ، وخوخانِ يطيبانِ، خفوقٌ
في الدمَّ، وجيبانِ: وجيبٌ نعسانٌ،
والثاني مسهودْ
ونهودْ: أدغالٌ تتربض، نمراتٌ تتريضُ،
أمواجٌ تتوحشُ لا تتغيض، حيواناتٌ،
أعشابٌ زُرقٌ، وجناحاتٌ تتهيضُ،
تنخفض نهادٌ ، ترتفعُ وهُودْ.
نهدٌ - نهدانِ - نهودْ.
أكوانُ نهودٍ، ذراتُ نهودٍ، أسلاكُ
نهودٍ، ومسافاتُ نهودٍ، وظلالُ نهودٍ
، وهجيرُ نهودْ
جبلٌ يشهد، جبلٌ مشهودْ.
* * *
فيينا 14 تبارز الغرباء:
جسمانِ يبحثانِ في الحدائقِ الكتوم
عن فجيعة أيديولوجية خاصةٍ بالقرى والشوارعِ
التي تغصُّ بالمساحيقِ والجياع
وعن صيغةٍ أنثويةٍ لاشتراكيةِ الصراع.
أقولُ جسمانِ يبحثانِ عن مرادفٍ رفيعٍ
لبهجة الضياع!!
جسمان في زئبق الخواءِ يسبحانْ.
ما كنتُ وصّافاً لجلوةِ الرؤي ولكنني أؤرّخُ الجنونْ:
فراعنةٌ ساقطونْ
تفلّتوا بليلٍ من المدائنِ التي تبقُر الرضيع
هاربين من طاجن الحكومةِ التي تغتال طفلةً وشاعرا،
فراعنةٌ يفجّونَ في شقوقِ الكون باحثين
عن سراويلَ أو مجرّةٍ حنون.
والفتي نَدِيّ:
يقول لي المجهولُ: هَيّ
الداخلُ الموءودُ في حيّ
وعتمتي ترميزُ ضَيّ
صيح بي:
سِكينةٌ تدسّها يدَانْ.
أنا الذي يدينُ أم أنا الذي يدانْ؟
والشبابيكُ مقفولةٌ في المساء:
عصافيرُ لقاَّطةٌ علي الحقول والمحيط
عصافيرُ خلتْ وراءها مربعاً مقسّماً بين ليلينِ زائفينِ
وأعماراً تهمشتْ علي رخامةِ البرلمانْ!
جسمانِ يحلمانْ:
فراعنةٌ يفركونَ ماء العيونِ والجرائدَ اليومية
يشخصَّونَ دورَ تدليكِ الابتساماتِ والبطون
ودورَ مُذهِبِ الكروبِ عن مكروبه الجليل.
فراعنةٌ يريقونني: دلتا ونيل
فضةً صديئةً في مثلثِ الفخذينِ للغانياتِ
اللواتي يعلّقن صورةً للينين في فتحةِ الثديين
المرهلَّينِ
ثم يندبن قسوة الزمان!
والكائنات يحلمان.
* * *
كان الفتي كانْ
والجامحُ استكانْ:
الشوارعُ - الشرانقُ استنامت علي الجبين - والجامحُ استكان.
كمينٌ بكل خطوتين - والجامحُ استكان.
أنثي دخولةٌ في وليفها الوليفِ - والجامحُ استكان
قبلةٌ متروكة علي الرصيفِ - للجريح والظميء
كنائسٌ حضّانةٌ للفاجر البرئْ
وهجٌ علي قدمين - والجامحُ استكان
رصاصتان خلاعتان للمهجتينِ - والجامحُ استكان.
صالةٌ عريضةٌ لعرض حرفيةِ الاغتيالِ - والجامحُ
يصيح بي الصائحُ:
تجيئك المرأة المخلوعةُ الخالعه
تبثٌ في الأشياءِ حكمة الفاجعة.
إنها في جريمةِ الكونِ ضالعة!!
* * *
أسماكٌ عظيمةٌ تبوح لي:
هل عاد لائقاً لمثلي أن يقول:
«صافيةً أراكِ يا حبيبتي كأنما كبرتِ خارجَ الزمن»؟
أنا مضت بي السنونُ والطعون،
وغربلتني غرابيلُ الضحايا ولطمةُ الزمنِ الخئون،
عهدٌ من الغناء فات
وابتدتْ بي عهودٌ خليقٌ بها أن أقولَ،
طبقاً لنهجي الدماري الحنون:
الينايريون
قادمون
تحت عانة الجنيةِ الحَرون!
* * *
كان لي فيكِ برقٌ يشدُّ جثماني
وكان لي فيكِ عصفورٌ هوائي نحيل
ابتلَّ ريشُه بأضلاعي ونام
مفتشاً كان عن فضةٍ وعن سماء
كان قال: كلُّ وجهةٍ شمسٌ تعومُ أو أصيل
قلتُ: يا عصفورُ يا نحيلُ يا بلبلُ عُدْ
فهذه الخرائبُ التي تنشَقُّ عن تماثيلِ عمدةِ الأدباء
تدججّتْ بأحجار الفضائح الوطنيه
وأخفت علي فراغها انهيارَنا الجميلْ!.
كان الفتي كان.
عصفوري البليلُ سلَّ نايه وناح:
يقول لي المجهولُ: فيكَ فاحَ فَي
فابدأ الهجيرَ، نخلُكَ الرطيبَ ني
وجنةُ ارتحالكَ العليل عَي
وها هو الجحيمُ، ها، فَهَي.
ونام في ضلوعي
كلعبةٍ عرائسيةٍ تحت بالونةٍ خضراء.
* * *
يستيقظ الأطفالُ تحت تفاحةِ السوقِ، أو
تحت خيمةِ التفريط
والعصافيرُ لقّاطةٌ علي الحقولِ والمحيط.
يدهم الفراعينُ سكة الكبائنِ التي تغطُّ
في حائض الفاعل الجنسي والفعل الوديع
2
تهرول البيوتُ في السائلِ الكريمِ للنوافذ الكريمه:
(كورير - كورونا:
يهتف الفرعونُ ضاحكآً مرةً، ومرةً محزونا.
كورير - كورونا:
يلقط الفرعونُ وردةٌ
فضيةٌ ويحسبُ
الجروحَ والأنينا.
كورير - كورونا:
يفَنّدُ الفرعونُ قيمةَ العطيةِ التي فاضت
من ندي الشقراءِ جُوداً مكرّماً ميمونا.
كورير - كورونا:
عصافيرُ باعتْ ظهرها المطعونا.
كورير - كورونا:
متي يصرخ الفرعونُ: مرةً أضاعوا ترابنا،
ومرة أضاعونا؟
أسماكٌ عظيمة تقول:
نخيلٌ يطردُ العاشقين
ويحضن الطحلبَ السري والسارقينْ
نخيلٌ مؤهلٌ لرشقةِ الراشقينْ.
ما كنتُ رصّاداً ولكني أواجهُ انكشافَ القنايل:
عاهراتٌ يقشرنَ قمصانآً ومحرابا،
ويفتحن ضلعهن للخرابة التي تألقت شهداءَ أحبابا،
عاهراتٌ يفتّقن خوخاً وجلبابا
ويصنعن للتواريخ والفتوح بابا،
ويخرجن للكفاح السياسي أفرادآً وأسرابا،
ثم يلعقن ما يلي في الدجي الجميل:
1. توابيتَ الشهيدِ والقتيلْ
2. صرخةَ الجموعِ ساعةَ الجوعِ والرحيلْ.
3. رايةَ المظاهرات والمضاربات في بورصة الأحزاب أو دورة المياه.
4. جلودَ سلخِ الشياه.
5. رغوةَ التجمعاتِ التي تسمي في التحاليل: Under ground
6. أعضاء تناسلية صناعية للفلاسفة المزركشين والشعراء
7. تقدمَ الأشياءِ للوراء.
8. تواريخَ النهوض والسقوطِ والنهوض والسقوط خلف حائط المجاز والزجاجْ
9. الوطنَ الرجراجْ
10.                  النمط الآسيوي للإنتاجْ!
عاهراتٌ في الدجي الجميلْ
يضئنَ لي عتامةَ الفكرِ والسبيلْ.
* * *
الفراعينُ يهرسون المركباتِ والشوارعَ العاطفية.
الحوانيتُ نائمةٌ وخلفَ الشبابيكِ يقظةٌ تخبُّ في الملاءاتِ والملابسِ الداخلية
وخلفَ أمطار الخريف كائنانِ يعلكان غنوةً رتيبةً
حولَ ما تسميه المقالاتُ باسم:
القضية الفلسطينية!!
غنوةٌ داسها مطرٌ حزين
بعد أن تَفلَّتْها شدوقُ الفراعين
في ليلة جنائزيةْ!!
وكانت الأسماكُ في الدجي تقول:
هذه البلادُ فَرْجٌ عمومي،
بحجمِ الأمةِ العربية.
(فيينا - أغسطس 1980)
اشارات:
1. حامد حماد، شاب مصري في الثانوية العامة، التقينا به في فيينا، يبحث عن سبيل.
2. فيينا 14. الحي الذي كنا نقطنه: جمال القصاص وأنا.
3. «صافية أراك..» بيت الشاعر صلاح عبد الصبور من «أحلام الفارس القديم».
4. تمثال ضخم لجوته كبير الأدب الألماني بميدان الأوبرا بفيينا.
5. كورير وكورونا، اسما الجريدتين النمساويتين الوحيدتين اللتين تصدران بالنمسا ويوزعهما الشباب المصري.
6. «وست بان هوف» محطة القطارات الرئيسية.
زين العابدين فؤاد يركب أرجوحة خضراء
يجئ في الدجي الثقيل مرةً،
ومرة يجئ في الشموعْ
وتارةً يطير في قُري الحياري
وتارةٌ يحطُّ في الضلوعْ
وهو في زمانٍ قابضٌ أريجَه،
وفي زمانٍ، يضوعْ
المرفأ الحنونُ في بلادٍ،
وفي بلادٍ
قلوعْ.
* * *
المدي
كان عُشبة مضاءه
وكنتُ في صبابتي
مفتّتاً علي نوافذِ البراءه.
بان لي كائنٌ يطلُّ بين نخلةٍ وبين ماء
ويمنحُ الحريقَ موعدا
صاح في سنيني:
المدي عشبةٌ، والسماءْ
همستُ: جدولٌ يفيضُ بالبقول والندي
قال: فاشهدِ العناقَ يجرفُ المكانَ
والهديلَ يكنسُ الرداءه
وادخلْ إلي ابتهاجة الفصول
سابحآً في تموُّجِ العباءه
لتجلوَ الخبئَ تحتَ قبةِ الخلاء.
قلتُ: إنه المَدَي
رمزه الغناء إذ يصيرُ سكةً،
وسرمدا
قال: أهلُه الندي
وبيتهُ الفضاء.
* * *
الكائنُ الذي أطل بين نخلة وبين ماء
إسمُه : ابتداء
* * *
هنا صبابةٌ وظامئون:
دخلتُ بهجةَ الفصول
كان كائني الذي يشبه النخيلَ أو يشابه الماء
واقفاً فوق فسقيةٍ
تشع أنبياء
جسمهُ البهي مشعَلٌ
بجمرةِ العقيق أو بخمرةِ الوصول
فارعآً يفك سُرةَ الداخلين،
عارياً يضفّرُ العشبَ في العشب منديلَ فتنةٍ
علي خواصرِ الراقصين،
يعجنُ الغصونَ بالغصونِ ليمونةً، وحنّاء
علي أسي المستضعفينَ أو علي بطونِ النساء
لترتوي بصرخةِ الأجنةِ الحقولْ
بخورٌ خانقٌ في بهجة الفصولْ
وأنا مقسّمٌ بين لذةِ المنع،
ولذة الحصولْ
والكائنُ الذي أطل لي بين نخلة وبين ماء
كان هامساً يذيعُ في القادمين:
لكل دربٍ رقصةٌ،
لكل رقصة أصول.
* * *
حدوده عصيةٌ:
إن قلتُ هذه تلول من الطينِ في وجنةِ البلاد
قال أبعدُ النجومِ في كفوفِ القاطفين
إنْ قلتُ لا يقدرُ القاتلونَ أن يحبسوا الورود
قال في كل زنزانةٍ يلتمّ عاشقون
إن قلتُ كلمةٌ، سنابلٌ، قرنفله
قال: قنبله.
الكائن الذي أطل بين نخلةٍ وبين ماءْ
سماءْ.
* * *
القناطرُ الخيريةُ ارتحلتْ إلي الأحباء:
دخلتُ بهجةَ الدموعِ فخصّني برشّةٍ شهيةٍ
ثم مد لي بردية ، وقال:
من هنا مبدأ البكاء.
فقرأتُ:
( إن ندماءكَ قد كذبوا عليك.
فهذه سنواتُ حربٍ وبلاء.
ما هذا الذي حدث في مصر؟
إن من لا يمتلك شيئًا
أضحي من الأثرياء.
يا ليتني رفعتُ صوتي في ذلك الزمان.
يا ليتني رفعتُ صوتي في ذلك الزمان.)
حدوده عصيةٌ علي الحدود:
تتبعتُ خطوه في المدينةِ التي يدوسها حذاءٌ غريب
فغذَّ رقصه إلي القصائدِ التي تنط في ردهة السجون
أتيتُه علي نهرٍ مسافرٍ لا يبلُّ غلةَ الظامئين
فجاء صوب الستائر التي حيكت بقمصان أنثي،
وأنثاهُ شكلٌ للدماء
راوغتُ جرحَه خلفَ انكسارةِ الحصان
ففرَّ مني في كتاب النيلِ، أو في أزقةِ الفسطاط.
وحينما طلبته إلي الثري،
أجابني في الورود.
حدوده عصيةٌ علي الحدود.
* * *
العرّافُ يخلطُ الرملَ بالنشيجْ:
ضفّرَ الأغصانَ في خصري،
عرّي خبيئي،
وحطّني في تموج الفسقية التي تمورُ بالحجيجْ.
وكان يبكي ساعة
وساعة يغني وحيداً كالأنبياء:
كل احتراقةٍ خطوةٌ
وكل خطوةٍ نسيجْ.
قسَّم الرغيفَ قسمتين،
وأعطاني ثريداً وجنيةٌ وطلسماً
علي شكل ظبي نحيل
ثم دقّ عينّي في صفحة بيضاء
فكتبتُ:
(إن الناسَ يصنعون تاريخهم
بأيديهم، ولكنهم لا يصنعونه علي
هواهم، إنهم لا يصنعونه في
ظروفٍ يختارونها هم بأنفسهم بل
في ظروفٍ يواجهون بها، وهي معطاةٌ
ومنقولةٌ لهم من الماضي)
وحينما نشلتُ جثتي من الفسقية التي تمورُ بالنشيج
كان كائني الذي أطل بين نخلةٍ وبين ماء
يحض أنثي جحيمه علي الانقذافِ في حشا الراقصين
ثم ينتشي،
ويستطيل،
حتى غدا
طيورًا، أو أثيرًا،
أو مَدَى.
والمدى كان عُشبةً مضاءةً، تضئْ
اختفي بها كائني الجميلُ،
راحَ حينما ظننتُه يجئْ
وحين صار بيته الفضاء
جاء صوتُه البريء:
ذاهبٌ إلي البلاد،
ففي البلاد ظلّي،
وفي ظلي أفئْ
وردّدَ الصدى:
تارةً يطيرُ في قري الحيارى،
وتارةً يحط في الضلوعْ
هو المرفأ الحنونُ في بحارٍ،
وفي بحارٍ
قلوعْ
وكل رحلةٍ عنده: رجوعْ
لأنه البادئُ الذي ابتدا
حدودُه المدى
حدودُه المدى
حدودُه.
(بيروت 1982)
اشارات:
1. زين العابدين فؤاد، هو الشاعر والمناضل المعروف ، صاحب دواوين: وش مصر، والحلم في السجن، صفحة من كتاب النيل.
2. المقتطف الأول للحكيم الفرعوني ايبو - أور، والمقتطف الثاني لانجلز.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق